الاستثمار الأجنبي بشروط وطنية
استوقفني خبر رايته من الاهمية بمكان لان يتم التوقف عنده لكثير من الوقت و ليس للبعض منه فقط. فلقد طالعتنا الصحف بخبر المستثمر الكوري الذي يرغب في استثمار 1.4 مليار دينار(و ليس دولار) في انشاء مدينة طبية حدد موقعها طريق المطار, و يرغب فيها بانشاء مدينة طبية متكاملة و فنادق للراغبين بالخدمات الطبية ذات المستوى العالي اضافة للسياحة العلاجية و اضاف الخبر ان المستثنر يرغب باحضار طواقم طبية من الخارج. و لم تذكر تفاصيل اكثر.
استوقفتني كل كلمة من الخبر كما استوقفني طريقة نشر الخبر بحد ذاتها و التي تضمنت عبارات مثل:" اخيرا" و " زيارة المملكة باسرع وقت ممكن"
من الجيد ان نسمع عن مثل هذا المشروع في مراحله الاولى و من الاهم ان نفهم المزيد من التفاصيل و ذلك ارساء لمبدئي الشفافية و المساءلة المصنفة ضمن مفهوم"الوقاية " و التي بتطبيقها نحقق العديد من الامور اهمها: توجيه القرارات الحكومية, ارساء مبدا المساءلة و ليس المحاسبة و ترسيخ مفهوم الشراكة بين المواطن و الحكومة والذي سينتج عنهم ممارسة المواطنة و الديمقراطية في زمن فتح العيون.
و تتوارد في ذهني اسئلة اصبحت في زمن ارتفاع سقف الحريات بديهية, و التي لم يجب عليها الخبر:
ما هي المكاسب التي سيجلبها مثل هذا المشروع؟ و ما نسبة العمالة الاردنية و ما هي طبيعة تلك العمالة و نسبتها من الاجور؟ اي هل سنبقي مهنة الكناسة و الحراسة للاردنيين و نستورد المهن الاخرى؟ ما مدى تاثير هذا المشروع على المستشفيات و المراكز الطبية المحلية؟ هل تمت دراسة الاثر البيئي و المروري لمثل هذا المشروع؟ هل الموقع هو الامثل؟ فكان الزائر ياتي من المطار الى الموقع و يعيش و يتسوق فيه و يغادر دون الحاجة لاستكشاف المدينة و التسوق فيها و التفاعل الايجابي في مرافقها. هل تمت استشارة امانة عمان و المنطقة المعنية بالمشروع؟ وما رايهم؟ و هل تحتمل البنية التحتية و الخدمات الحالية مثل هذا المشروع؟ ومن سيتحمل نفقات توسعة الشوارع الخدمات المترتبة على المديين القريب و البعيد؟ وهل سيراعي الشروط البيئية العالمية و يقدم نموذجا للبناء الاخضر على سبيل المثال؟ و ما هي الشروط التي توضع عليه حال مخالفته لشروط بيئية او صحية؟ و اين سيلقي بمخلفاته؟ و غيرها من الاسئلة كثير ولا نقصد "التطفيش"! تساؤلات كثيرة تحتاج للتوضيح قبل ان نفرح كثيرا بمثل هذا الاستثمار وغيره.
اتمنى على الوزارات المعنية ان تعطينا نموذجا في الشفافية و المهنية التي نرجوها منها و توضح لنا طرق و معايير اتخاذ القرار, و الذي ان تم بشفافية مع المواطن فسيكون اكثر استدامة من صاحب القرار نفسه.
لا اعتقد ان المستثمر الكوري قد قدم الينا بدون حسابات اقتصادية دقيقة و تفاؤل بارباح و مكاسب مدروسة. و لكن اتمنى ان يخبره احدهم ان حساباته يجب ان تاخذ بالاعتبار شروطنا الوطنية و تعريفنا للاستثمار القائم على الشراكة و الاستدامة و الكرامة و الاستثمار النظيف و عند ها اهلا و سهلا والا فليبحث له عن ارض اخرى لا يعرف اهلها القراءة.