نظرية المؤامرة والتناقض

- يقع أصحاب نظرية المؤامرة في تناقض عجيب, لا يمكن حله إلا بالاعتراف ببطلان هذه النظرية, فهم يقولون ان اليهود يقودون ثورة الربيع العربي, وهم الذين عبأوا منذ فترة طويلة, لثورة الشعوب على الأنظمة, واستدلوا على ذلك بكتاب جبن شارب: (الكفاح اللاعنفي) وغيره من الكتابات والمؤتمرات, التي تأتي في نفس السياق.
فإذا كان فعلا أن السمة العامة لثورات الشعوب العربية المعاصرة, هي سمة اللاعنفية, والتي ربما تكون استلهاماً من كتابات جبن شارب وعزمي بشارة وغيرها ونجحت في إسقاط (بن علي) في تونس, و (مبارك) في مصر, وعلي عبد الله صالح في اليمن, لكن المفاجأة أن هذه النظرية لا تنطبق على ليبيا ولا على سورية, لان النظام ومؤيدي النظام في سورية يقولون انها ليست ثورة شعبية سلميّة, بل يغلب عليها إن لم يكن كلها استخداما للعنف, ويزعمون أيضاً أن الشبيحة التي تمارس القتل هي عبارة عن عصابات متمردة خارجة على القانون وهم من أتباع القاعدة, ومن الإسلاميين أيضاً الذين يؤمنون باستخدام العنف والقوة والذبح والسلخ, وكذلك في ليبيا كانت ثورة مسلحة وكتائب مجاهدين وقتال وكر وفر, فمعنى ذلك: أن الثورة في سورية, والثورة في ليبيا, خارجة عن تطبيق نظرية اللاعنف, وخارجة عن الهام هذا المؤلف اليهودي, لأنها لم تستلهم هذه الرؤى وهذه الطريقة في الثورة الشعبية.
والنتيجة المنطقية لهذه النظرية أن الثورة في كل من سورية وليبيا, لا يقودها اليهود, وإنما يمكن القول ان اليهود قادوا ثورة تونس وثورة مصر, التي استلهمت فلسفة الكفاح السلمي اللاعنفي, مع أن النظرية ولدت أصلاً في معرض الدفاع عن النظام في سورية, وتم نسج هذه النظرية لتبرير المواقف المضادة لثورة الشعب السوري والتي يعترف الجميع بأنها محقة, وان مطالبهم مشروعة.. ولكن..!! ودائماً ما بعد (لكن) يأتي لنقض ما قبلها..
التناقض الآخر يكمن في لب النظرية التي تعتبر الثورات الشعبية العربية على الأنظمة هي عبارة عن صناعة أمريكية يهودية امبريالية, بدليل الكتابات السابقة وأقوال فلاسفة اليهود والأمريكان, وتم الإعداد لها في مطابخ الخفاء من زمن طويل, هذا المنطق لا يتفق مع القول (بسرقة الثورات) الآن السرقة عبارة عن فعل طارئ سريع وردة فعل وليدة اللحظة من السارقين, بعد أن قامت الثورة واستقلت وامتدت, فمنطق السرقة يتناقض مع مبدأ الإعداد المبكر الهادئ للثورة في المطابخ الغربية الذي تم عن تخطيط مسبق ومحكم وناجح.
والشيء الآخر الذي يمكن قوله, عندما تكون الثورة صناعة يهودية أمريكية تم التهيئة لها منذ زمن بعيد, ويقودها يهود, هنا يصبح لزاماً على الشرفاء "سرقة هذه الثورة" وقطف ثمار اليهود والأمريكان والثوار العملاء الملاعين وتحويل اتجاهها اليهودي الأمريكي الذي بدأت به إلى اتجاه وطني صميم, بمعنى آخر تصبح السرقة في ظل هذه النظرية فعلا محموداً!!! .(العرب اليوم )