ثنائية شهاب الدّين!

تم نشره الثلاثاء 31st كانون الثّاني / يناير 2012 01:01 صباحاً
ثنائية شهاب الدّين!
خيري منصور

- في فيلم عربي بالابيض والاسود يقول البطل وهو جنرال فقد منصبه بعد انقلاب.. ان لكل واحد يومان يقضيهما ثم يتوكل.. ولم يقل العبارة المأثورة وهي يوم لك وآخر عليك، لأن الايام على ما يبدو لا تعد بالارقام بل هي أشبه بتلك الحكاية عن رجل زار قرية وحين قرأ شواهد قبور موتاها أصابته الدهشة من قصر أعمار الناس، فثمة من كتب على قبره انه عاش اسبوعاً وآخر لم يعش سوى يومين وثالث لم يعش على الاطلاق، فكانت حياته مجرد خطوة بين مهد ولحد.

ان قدر أية أمة في هذه الارض هو ان تعيد انتاج شقائها واستبدادها اذا تغير الاشخاص فقط. والعرب الذين جربوا شهاب الدين وأخاه الذي ربما كان توأمه عبروا عن يأس مزمن من التغيير الجوهري، وهناك حكايات لا آخر لها عن هذه المتوالية الكئيبة، حيث سرعان ما تعود حليمة الى عاداتها القديمة، فمن ثاروا ضد التوريث لم يزعجهم او يحرجهم ان عشرة على الاقل من ابنائهم تمتعوا بهذه النعمة وهم على قيد الحياة، وبالامس شاهدت على قناتين فضائيتين حوارين تم بثهما بتزامن مريب احدهما مع الاب والآخر مع الابن.

هذا في السياسة وشجونها التي لا تنتهي، اما في الفن فيكفي لأي مشاهد فضولي ان يقرأ أسماء أبطال المسلسلات العربية فهي في معظمها ثلاثية كي يتضح اسم الاب اعترافاً بفضله واستخداما لنفوذه ايضا، ولا نفهم كيف يمكن للمواهب ان تورث؟ اللهم الا اذا تم تهجير هذه الظاهرة من السياسة الى ميادين اخرى، لكن ضمن السياق الثقافي ذاته، وبالادوات ذاتها.

ان من أخذ يومين ثم توكل، كان يدري على ما يبدو بأن من سوف يعقبه لن يبخل على نفسه وذويه، وانه سيمارس الاستحواذ والاستفراد وسائر مشتقات هذه المفردات، لهذا كان حريصاً على ان يحلب الحجر، ويعصر العظم بعد امتصاص نخاعه.

أي قدر هذا؟ فما يتغير هو الوجوه والأسماء أما المحتوى فهو متكرر بطبعات منقحة ومتلاحقة لأن ما يجري الادعاء بتغييره ليس ثقافة أو نمط تفكير.

وحين لا يطال اي تغيير جوهر الثقافة والتربويات السائدة فهو مجرد طلاء، اما القصدير بما تراكم عليه من صدأ فهو يبقى على حاله ان لم يصبح اسوأ!

ستة عقود سلخناها من ثورات وانقلابات وكدنا ان نحصي ايامنا بها كما احصى الشاعر الانجليزي اليوت أيامه بملاعق القهوة، وان كانت ملاعقنا من دم ودمع وملح وعلقم.

ما من شعار رفع في أي انقلاب تحقق، خصوصاً في تلك الآونة الرومانسية التي كانت فيها فلسطين قبل الرغيف والمأوى، وفي حمىّ تلك الانقلابات كانت فلسطين شبه محتلة، لأن بعضها كان ما يزال خارج الاحتلال، وبفضل تلك البيانات والشعارات شمل الاحتلال فلسطين كلها من نهرها الى بحرها!

قد نبدو متشائمين أو سوداويين في نظر البيضاويين من المتفائلين، لكن ما اختزنته الذاكرة التي لم تصب بالزهايمر بعد يجعلنا حذرين من اية وعود لأن الذهنية لم تتبدل، ولأن التخلف كان اصيلاً وواضحاً كما الجهل البريء، ثم غطت مساحيق التجميل الكاذبة كلا الوجهين القبيحين.

ان من أخذوا يومين ثم توكلوا لن يكونوا استثناء من هذه القاعدة الرملية ومن تقاويم الساعة الرملية ايضاً، فما يزال هناك من لا يرون من الناس أبعد من أنوفهم ومن لا يرون من المستقبل برمته أبعد من ابنائهم. فمتى يتوب علينا الله والتاريخ من ثنائية شهاب الدين العربي وتوأمه؟؟(الدستور)
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات