رياح الربيع العربي
- مما لاشك فيه ان رياح الربيع العربي التي اجتاحت معظم دول المنطقه كانت محط اهتمام كل المتابعين من الساسة واصحاب القرار . ثورات هنا وقتال هناك وطغيان انظمة قمعت شعوبها وصلت الى حد الاطاحة بانسانية الانسان التي نهت عنها كل الشرائع السماوية وحتى الوضعية .
وفي ظل هذا الطوفان السياسي المحموم نسي البعض او تناسى ما يعيشه الانسان البسيط من مشاكل وهموم وصلت في بعض الاحيان الى فقدان الأمان الأسري لعدد كبير من الأسر العفيفة .
ولكن ..!!
مازال هناك ثمة من يحاول تضميد الجراح مبتعدا الى حد ما عن مسرح الصراعات وشخوصه ، يداوي جرحا هنا ويمسح رأس يتيم هناك .
يزرع ما اقتلعته آلة السياسة من جديد ليعيد التوازن ماستطاع الى من لا يهمه سوى ان يعيش كريما .
كنت فيما مضى من زمن قد كتبت عن دولة الامارات ومواقفها التي لا تنسى مجبرا قلمي لا مخيرا لحجم هذا الحس العربي الاصيل الذي لم اقوى على عبوره كمسافر او كعابر سبيل . واعتقدت حينها اني "كفيت ووفيت " ولكني اليوم أرى ان قلمي تقزم ولم "أكفي " ولن " أوفي " ما أراه من سمو العطاء ورفعة السخاء .
السفير الاماراتي في عمان الدكتور الطيار عبدالله العامري .. ماالذي يفعله ؟؟
يتابع هذا الرجل يوما احدى المحطات الفضائية الاردنية فيشاهد رسالة على الشريط المتحرك من أب مقهور لم تسعفه مقدرته سوى ان يستصرخ اهل المروءة لعلاج طفلته الصغيرة لانها بحاجة الى جهاز تنفس ليبقى قلبها الصغير ينبض بالحياة . فتنتفض في دواخل هذا الانسان مجسات الحنان الأبوية و "فزعة " زايد الخير العربية ليسارع الى تأمين هذا الجهاز لهذه الطفلة المتعبة من جحود المجتمع وبخل أغنياءه المترفين , ليذهب بنفسه الى بيتها ويقدمه لها فلامس عطاؤه قلبها ليعيد البسمة الى هذه الأسرة الضعيفة .
الموضوع ليس موضوع جهاز، الأمر اعظم من ذلك وأكبر يعرفه من يعرف معنى ان يكون الانسان انسانا .
لقد جرت العادة ان تقيم السفارات احتفالاتها بأعيادها الوطنية في فنادق الخمس نجوم ضمن نهج أصبح عرفا لتمتلئ الفواتير بالاف الدنانير تذهب كلها للفندق ولا ترفد هذه الأموال سوى جيوب الأغنياء . الا ان طيارنا أصر ان تهبط طائرته في المدينة الرياضية لتحتفل سفارته بعيدها الوطني هناك ، ليس لشيئ بل لانه يريد ان تذهب تكاليف هذا اليوم الوطني الى خزينة الدولة ليرسل رسالة اخوة الى الوطن الذي احب ويقول انتم لستم وحدكم فمحنتكم هي محنتنا وهمومكم تؤرقنا .
وبتوجيه من أبناء حكيم العرب تبرع سعادته بمليون درهم اماراتي لدعم مستشفياتنا المثقلة بالديون ليضع نقطة في سجل عطاء لا ينتهي .
وفي لفتة ليست مستغربة عن قامة بهذه الروح الصافية قام سفير الانسانية الاماراتي قبل ايام بحملة للتبرع بالدم داخل حرم السفارة ليرسل رسالة أخرى أقوى وأشد تقول أن دماء أبناء الامارات تجري في عروق الاردنيين فوحدة الدم تجمعنا فعلا لا قولا .
يقول من يعرف سعادة السفير عن قرب انه لا يتناول طعامه قبل ان يتناوله امن السفارة ومن نفس طعام السفير فلا الدبلوماسية وبنود الأعراف الدولية ولا حتى "البريستيج " حاضرا في ذهن هذا الانسان عندما يتعلق الأمر بتواضع العظماء " فمن تواضع لله رفعه " ونشهد يا سعادة السفير انك بنظرنا قد تجاوزت المدى واقلعت الى حيث تقلع الكرامة في سفر التاريخ .
وبرغم عدم معرفتي بشخص سعادته الكريم الا أننا في هذا الوطن الذي نحب تمنعنا أخلاقنا التي تربينا عليها من عدم رد الجميل لأهله وتأبى علينا ضمائرنا الا أن نقول للمحسن أحسنت كلمة سوف نبقى نرددها طويلا .
لقد أوقفتنا أفعالك الخيرة أمام مرآتنا وجردتنا من ستر عوراتنا فمترفينا أصابتهم قسوة القلوب وأرهقتهم كثرة الأسفار يمرون على جروح المحتاجين مرور اللئام لا الكرام وكأن الأمر لايعنيهم . لقد تغولوا على فقراء الوطن فاستغلهم التجار وزادوا في مآسيهم ليجمعوا أموالهم التي اختلطت بدم ودموع هؤلاء الانقياء .
ان ما تفعله يا سعادة السفير جرد المتخمين أمام المعدمين في وطن أصابه فسادهم في مقتل ولكن مازال لنا في قيادتنا أمل الاقتصاص من هؤلاء ومحاسبتهم . حمى الله دولة الامارات العربية المتحدة من كل مكروه وأسبغ عليكم ثوب العافية . أما أنت ياسفير الانسانية فلله درك لقد أتعبت فكري وقلمي حتى بت عاجزا عن مجاراة أفعالك الصامتة .