في عبور مرحلة متفجرة

- مرّة أخرى يفشل مجلس الأمن في الوصول إلى قرار حول سورية. وعادت الدول العربية إلى "المربع الأول" بلا أي حلول حقيقية لمواجهة الأحداث هناك، فيما يرى النظام السوري بأنّ "الفيتو" المزدوج (الروسي والصيني) يمنحه تفويضاً بالتعجيل بالحسم عبر مجازر دموية كارثية، تتجاوز ببشاعاتها ما حدث خلال الأشهر الماضية بأسرها.
لو كان الحل الأمني سينجح لحدث ذلك منذ بداية الثورة، عندما استخدمت الوسائل جميعها، من قتل واعتقالات لاإنسانية وتعذيب وإهانات، وقصف وتشريد؛ ومع ذلك فإنّ الثورة مستمرة والانشقاقات تزداد، والكل بدأ يفكّر بموازين القوى على الأرض، وهي وإن كانت عسكرياً إلى الآن بيد النظام، إلا أنّها في تآكل وتراجع، مع غلبة الثورة في ميزان الشرعية السياسية، وفي الأبعاد الرمزية والإنسانية، والسياسية والاقتصادية.
بالرغم من فشل العرب والغرب في استصدار قرار من مجلس الأمن يدعم المبادرة العربية، للوصول إلى انتقال سلمي للسلطة، وحقن الدماء في سورية، فإنّ صفحة الانفجار لم تطو بعد هناك، وعلى الأغلب سيحدث "تدويل" مختلف للحالة السورية؛ فحلفاء دمشق، وتحديداً طهران، سيسعون جاهدين لحماية النظام هناك، بوصفه ساحة نفوذ استراتيجي لهم، فيما ستكثّف الدول التي دخلت في صراع مع دمشق دعم الثورة والثواّر والجيش الحرّ.
حكم الأسد في حكم الانهيار، والحالة المعنوية الداخلية والاقتصادية لا توحي أبداً بنظام قادر على الصمود طويلاً، لكن السؤال المهم هو في اليوم التالي لسقوطه، وتجنب مخاطر الفوضى الداخلية، من خلال وصفة توافقية وطنية بين مختلف الأطياف الأساسية المكونة للنسيج السوري.
في الجوار، يبدو الجدل محتدماً أكثر حول المشروع النووي الإيراني، والتساؤلات المطروحة اليوم على طاولة مراكز/ بنوك التفكير في واشنطن وإسرائيل حول جدوى الضربة الاستباقية ومداها وتداعياتها.
المعطيات الرئيسة تشير إلى أنّ الضربة لن تكون خلال الأشهر القليلة المقبلة، ربما إذا اتُخذ مثل هذا القرار تكون قبل نهاية العام، وهذا يطرح بدوره حسابات الرئيس أوباما على أبواب الانتخابات الرئاسية، ما بين إرضاء اللوبي الإسرائيلي أو الرأي العام الأميركي الذي لا يريد الزج بجيوشه وأمواله في حروب أخرى.
إلى حين حدوث تطورات ساخنة وقرارات حاسمة على هذا الملف، فإنّ الإحماء والتسخين جارٍ على قدم وساق في المنطقة، ولدى إيران من أوراق النفوذ ومساحاته ما يسمح لها بإثارة حالة من عدم الاستقرار في دول مثل العراق ولبنان.
أخطر ما في الأزمة السورية والملف الإيراني هو البعد الطائفي، الذي يختبئ حالياً وراء الستار، وينذر بصراع وفقاً للخطوط البدائية، وبتوظيف "الورقة المذهبية" في صراعات إقليمية، تستدعي فوراً الخوف من حمامات الدماء والمجازر والقتل على الهوية، وهدم الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي.
على الجهة المقابلة، لم تفلح جولة عمان في المفاوضات في تحريك مياه "التسوية السلمية" الراكدة، ويبدو أنّ الأمور تزداد سوءاً مع تراجع فرص إقامة دولة فلسطينية، ما يطرح أمام الفلسطينيين التفكير في بدائل أخرى، مع انسداد الآفاق الحالية.
في الخلاصة؛ نحن أمام ملفات متفجّرة إقليمياً، في ظل مرحلة انتقالية تمر بها كثير من الدول العربية اليوم، واحتمالات لصيف ساخن هذا العام، مصحوباً بحالة من عدم الاستقرار الإقليمي، ربما تصل شظاياها إلى أغلب دول المنطقة.
لدينا (هنا) في الأردن، دواع كبيرة للاهتمام برصد المشهد الإقليمي وسيناريوهاته المقبلة وتداعياتها الأمنية والإقليمية على الأردن، سواء جمود التسوية السلمية أو الثورة السورية أو الضربة الموجهة للمنشآت النووية الإيرانية، بأن تبني الدولة ومراكز التفكير قراءة معمّقة، تساعد في تحديد خيارات المرحلة المقبلة.(الغد)