«أصدقاء سوريا» والطريق إلى تونس

تم نشره الخميس 23rd شباط / فبراير 2012 01:15 صباحاً
«أصدقاء سوريا» والطريق إلى تونس
عريب الرنتاوي

- يلتئم في تونس غدا الجمعة، شمل “أصدقاء سوريا”، وهم كثر، ممثلين عن أزيد من ثمانين دولة، وعلى مستويات مختلفة من التمثيل في طريقهم نحو شق “طريق التفافي” حول مجلس الأمن، بعد أن سُدّت الطرق إليه بـ”الفيتو المزدوج” الروسي الصيني.

قبل الوصول إلى تونس، تبدو صورة المواقف الدولية شديدة التداخل والتعقيد، ولا أدري أية حصيلة سيخرج بها المجتمعون في رحاب “أول ثورات الربيع العربي”... وإليكم بعض مما نقصده ونشير إليه:

أولاً: استبقت الولايات المتحدة مؤتمر أصدقاء سوريا، بضخ عشرات التصريحات التي تذهب في اتجاه واحد: عن أي معارضة تتحدثون، القاعدة تخترق المعارضة، السلفيون يوسعون قاعدة نفوذهم ويصبغون المعارضة السورية بطابعهم المتشدد الخاص، من المبكر الحديث عن “تسليح المعارضة” فنحن لا نعرف عن أي معارضة نتحدث وتتحدثون، التدخل العسكري ليس مدرجاً على جدول أعمال إدارة تخوض حملة انتخابات حاسمة، شعارها الرئيس سحب الجيوش الأمريكية من العراق وأفغانستان، لا نشرها في سوريا... لم يبق مسؤول أمني أو عسكري، رفيع أو ثخين، إلا وأدلى بمواقف مشابهة... لتكتمل دائرة الموقف الأمريكي الأمني والعسكري، بالإعلان المتكرر عن أن فرص “الحل السياسي” في سوريا لم تُستنفد بعد، وإن كانت في تراجع يوماً بعد آخر، ما يُبقي الباب مفتوحاً للديبلوماسية المسلحة بالعقوبات لا السلاح المُتدثر بالدبلوماسية.

ثانياً: الدولتان اللتان قادتا الحرب على ليبيا، تحت مظلة الأطلسي وراياته، وهما فرنسا وبريطانيا، تضعان جانباً خيار التدخل العسكري، ومشكلات البلدين الاقتصادية و”الانتخابية” لا تقل تأزماً عن مشكلات واشنطن وإدارتها الديمقراطية... أما تقييمها للمعارضة السورية فحدّث ولا حرج، فلا يكاد يمضي يومٌ واحدٌ من دون أن توجيه انتقاد، على الإليزيه و10 داوننغ ستريت للمعارضة التائهة والمشتتة والمنقسمة على نفسها، والتي عجزت حتى الآن، عن تقديم بديل مقنع، يمكن المجتمع الدولي من نصرتها على النحو الأمثل، صحيح أن فرنسا تبدو أكثر حماسة للتدخل في الأزمة السورية من بريطانيا، لكنها لن تذهب لكل الأسباب المشار إليها بعيداً على هذا الطريق.

ثالثاً: أنديرس فوغ راسموسن، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو” الذي قادت قواته حرب تذليل العقدة وإسقاط العقيد، انبرى كـ”جهيزة ليقطع قول كل خطيب”، حين قال أن الحلف ليس بوارد التدخل العسكري في سوريا، لا بتفويض من “أصدقائها” الذين سيلتئمون في تونس، ولا حتى بتفويض من الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

رابعاً: تركيا، التي عوّل عليها كثيرون لأن تكون رأس حربة التدخل العسكري وجسره البري والجوي والبحري، ترفض للممرات الإنسانية التي جرى حولها حديث فرنسي وعربي متكرر، أن تمر من أجوائها أو أراضيها أو حتى مياهها الإقليمية... أمس قالت أن لهذه الممرات طرقا أخرى قد تمر بقبرص أو عبر أي ميناء آخر، المهم أن تبقى تركيا بمنأى عن كل هذا وذاك، ولا أحد يأخذ تصريحات أوغلو المستعجلة للتدخل الإنساني في سوريا، على أنها بداية تدخل عسكري من أي نوع، فتركيا تعرف أنها إن دخلت الحرب في سوريا، فلن تخرج منها موحدة، لا هي ولا سوريا، وستهدم في أيام، ما كانت بنته في سنوات وعقود، من علاقات ثقة وتعاون مع العالم العربي، وستكون قد انقلبت على سياسة “القوة الناعمة” و”قوة النموذج” الذي اشتهرت بهما، لتُحِلَّ محلهما القبضة الحديدة والتدخل السافر والقوة الخشنة، وهذا لا يعمل لصالح الأتراك في المقام الأول والأخير.

خامساً: الغائبون عن مؤتمر “أصدقاء سوريا”، أو الذين لم يحتسبوا من أصدقائها، لأنهم أصدقاء للنظام وبعض المعارضة، لم يلقوا سلاح الدعم للنظام بعد، ولم يفقدوا أوراق القوة التي لعبوا بها طوال عام كامل من الأزمة السورية، روسيا والصين لن تحضرا المؤتمر، وإيران لم تُدعَ للمشاركة فيه، ومن المتوقع أن تواصل هذه الأطراف، ومن موقع رفض التهميش على أقل تقدير، التفافها حول النظام السوري.

في ضوء هذا الإيجاز غير الشامل بالطبع، لخريطة المواقف الدولية والإقليمية من الأزمة السورية، فليس من المتوقع أن ينتهي المؤتمر إلى نتائج ملموسة، تحدث فرقاً جوهرياً على أرض الأزمة... الحديث عن المساعدات الإنسانية وضرورة إيصالها، يستلزم التنسيق مع النظام وحلفائه، في ظل غياب قرار التدخل العسكري الدولي لفتح الممرات وإجبار النظام على الرضوخ لمقتضياتها، وتدعيم المعارضة السورية سوف يصب في صالح المجلس الوطني السوري، الذي أخفق حتى الآن في توفير مظلة للجميع، وأحسب أن وحدة المعارضة بعد “تونس” ستكون أصعب مما كانت عليه قبلها، وسيعاد إنتاج المبادرة العربية بخطوطها العريضة والدقيقة، وسيصار إلى تشكيل ائتلاف دولي للعودة بالملف السوري إلى مجلس الأمن من جديد، ليواجه مرة أخرى، فصلاً من المساومات والمفاوضات الدبلوماسية الشاقة والعسيرة.

النظام وحلفاؤه يدركون هذه المعطيات، لذا نراهم في سباق مع الزمن... فتح معركة حمص وأدلب على نطاق واسع، لـ”سحب الذرائع” أمام فرضية التدخل الإنساني والممرات، إحكام القبضة على دمشق وريفها وشبكة الطرق الدولية... تسريع بعض الخطوات السياسية، بما في ذلك تشكيل حكومة جديدة برموز ووجوه جديدة، مقررات مؤتمر الحزب البعث والانتخابات القادمة.

بعيداً عن هذه التفاصيل، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فإن خريطة المواقف الدولية والإقليمية، وإصرار واشنطن على أن الحل السياسي لم يسقط على بوابة “بابا عمرو”، يدفعان على الاعتقاد، بأن البحث الجدي عن مخرج -وليس حل- للأزمة السورية، سيدور، أو ربما يكون دائراً الآن في أماكن أخرى، وعبر قنوات وأشخاص آخرين، غير الذين تقاطروا إلى تونس، هذا الحل بالأسد أو من دونه، يمكن أن يستلهم فكرة بقاء النظام “معدلاً” على الطريقة اليمنية، وإلى حد ما الطريقة المصرية، على أن تضغط في سبيل تسريع استيلاد هذا الحل وتوفير شبكة الأمان المطلوبة له، قوى أساسية من “اصدقاء سوريا” و”غير أصدقائها”.
 
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات