نهاية من يغادر قصر الملك
كان يعيش النّسر الشامخ في قصر الملك , وكان يمتلك من الدَّلال والنّعيم والعِزّ مالا يمتلكه غيره ,فهو نسر الملك , فهذا خادمٌ للإطعام , وهذا آخر للحمّام , وذاك لمرافقته في رحلة ترفيهية ونزهة (قنيص) , وغير ذلك من صنوف الخدمات, لم يكن النسر يعرف أنه في نعمة يتمناها كُثر , فقرَّرَ أن يغادر وفي قرار مفاجئ قصر الدَّلال الذي يعيش فيه , وينطلق الى عالم آخر ظنّاً منه الحصول على حياة أفضل, فغادر هارباً ولم يشعر به أحد إلا عندما جاء وقت طعامه فلم يجده خادمه .
النسر طار وطار حتى حطَّ رحاله في بيت سيدة عجوز , فأخذت بمحاولة اصطياده ونجحت في إحاطته وحبسه في قفص.
ومباشرةً بدأت العجوز باتخاذ قرارات بتغيير شكل النسر وفق رؤيتها له والتي تختلف عن نظرة الملك وحاشيته فقررت أن تقص أظافر النسر منطلقةً من شفقتها عليه بضرورة تقليم الأظفار وقالت :(يا حرام النسر أظافره طويلة) فقصَّتها ,ثم بخطوة أخرى قرّرت أن تقص منقاره من نظرتها الى أن طول المنقار ليس علامة جمال ـ لا غرابة فهي لاتعرف قيمة النسر ـ ثم وبعد مدة ليست طويلة قررت قصَّ ريشه لأنه كثيف ولا يتوافق ورؤية العجوز للطير الذي تريد اقتناءه فكان ذلك.
الملك والحاشية يبحثون عن نسرهم المدلل والذي هرب بمحض ارادته (رافساً) نعمته الكبيرة, فوجدوه أخيراً في بيت السيدة العجوز فأحضروه إلى الملك في قصر العزِّ السابق للطَّير الهارب , فنظر إليه الملك نظرة استغراب وعتاب فإذا به نسرٌ بلا ريش يغطي جسده ويقيه الحرَّ والبرد ويعطيه جمال النسور , وأيضا بلا منقار يأكل ويشرب به ,ومن ثم بلا أظفار يدافع بها عن نفسه أويفترس بها فريسته ,وظهر عليه سوء الحال والضعف,,فقال له الملك: ـ هذا حال من يغادر قصر الملك ـ...
وأيضا الأمة الاسلامية الآن والتي كانت وهي عاملة لدينها وعقيدتها كانت كما النّسر في بيت الملك وكان الله مانحاً لها العزَّة والمَنَعَة والقوَّة والظُّهور, ولما تركت بيت العز وهو الدين والإرتباط بملك الملوك الحقيقي الله جل جلاله أصبحت منتوفة الريش ,مُقصقصة الجوانح والأظافر لدرجة لا تستطيع أن تدافع عن نفسها بل ومقطوعة اللسان لا تستطيع أن ترد كلمة لمن يهين ويسيء.
فالحل العودة لقصر الملك لأن الله اذا أردت أن تعود اليه قبِلك وأعاد لك الهيبة والمكانة والرفعة ,وعدت عزيزا تذلُّ لك الدنيا ويخدمك القاصي والداني لأنك منتسبٌ الى الملك الذي يعطي العزة والسُّمو لمن ينتسب إليه وإلى جبروته جل جلاله.