إسرائيل والكابتن رمضان!

- لست من الشغوفين بالرياضة، واقصى ما امارسه فيها هو المشي على طريقة مكره اخاك لا بطل، وقد يكون أحد الاسباب ما كنت اشاهده في مصر اثناء وبعد مباريات الاهلي والزمالك، التي انتهت بعد اربعين عاما الى مباراة بالذخيرة الحية في بور سعيد، وكان على المرء في تلك الايام ان يحسم أمره مع الاهلي او الزمالك باستثناء قلة تندروا من هذا التصنيف شبه الايديولوجي وقالوا انهم زمهلاويون وكنت احدهم.
لكن بالامس وعلى احدى الشاشات شاهدت برنامجا حواريا مع الكابتن رمضان وهو مصري فاز ببطولة العالم في رياضة الجودو وكما قال كان نصره مزدوجا في المباراة الحاسمة لان منافسه اسرائيلي، وقد رفض ان يصافحه قبل المباراة وبعدها، واضاف بانه استمات في المباراة كي لا يرفع علم اسرائيل بدلا من العلم المصري، وقد يرى البعض في ذلك كله بعدا اخر من ابعاد التطبيع مع اسرائيل هو البعد الرياضي، ومن حقهم ذلك، اما وقد حدث ما حدث فان ما يستحق التوقف عند ما قاله البطل المصري الذي حمل اسم الكابتن رمضان الذي صام كثيرا كي يفطر على بطولة كونية هو عودته الى بلاده كما لو كان في اجازة شخصية يقضي اياما في موسكو او سواها، فما من مسؤول رسمي له صلة بالرياضة اتصل به او هنأه. وما من اتحاد رياضي او نقابة رياضية شعر به او حاول ان يسمع صوته، رغم ان انتصاره الرياضي كان تحت علم بلاده وباسمها.
قد يقول البعض ان مصر الان مشغولة في شجون اخرى، لكن المسألة ابعد من ذلك فقد روى قبل شهر د. محمد البرادعي انه عندما حصل على جائزة نوبل بالشراكة مع المؤسسة التي كان يرأسها لم يحضر الاحتفال كما قال غير عائلته وذلك ملف طويل لا يخص مصر وحدها فالعرب كلهم على ما يبدو منهمكون في اولويات تسمى سياسية او اقتصادية لكنهم في الحقيقة اشبه بام العروس كما يقال، تراهم يروحون ويغدون كبندول الساعة والنتائج معروفة ولا تحتاج الى تذكير القارئ الحصيف بها!
حدث هذا مرارا وكانت الدول اخر من يعلم بفوز افراد يحملون اسمها ويرفعون اعلامها فالابداع في مختلف مجالاته لا يحظى باي اهتمام ممن ينشغلون على مدار الساعة بامنهم، وادامة وجودهم.
لكن ما ان ينجز الفرد العصامي بمعزل عن ذويه كلهم ابداعا يستحق عليه وسام الفوز حتى يبدأ استثماره حتى النخاع .
استطيع ان اذكر عشرات وربما مئات المواقف من هذا الطراز عاشها اصدقاء عرب في كل بلدانهم، وبقدر ما ظفروا باعتراف الاخرين شرقا وغربا عانوا من الاهمال في عقر اوطانهم، ربما لان المثل القائل مغنية الحي لا تطرب له اصل سايكولوجي عميق وعريق في تكويننا النفسي والاجتماعي ومن قالوا لا كرامة لنبي في وطنه لم يكذبوا!
الكابتن رمضان مناسبة اخرى لفتح هذا الملف فانتصاره المزدوج لم يشغل بال احد غير والديه واصدقائه، وحين علم الناس بما حدث اعادوا له الاعتبار وصفقوا له بحماس لانه اعلى علم بلاده بقدر ما نكس علم اعدائه كما قال.
واذا كان هذا يحدث في الرياضة التي هي الشاغل الاكبر لملايين العرب فما هو الحال في الثقافة والفنون؟
الاجابة تتولاها تقارير واحصاءات، منها ما يقول ان ثلث مليار عربي يقرأون اقل من خمسة الاف نسخة من اكثر الكتب انتشارا او انهم يقرأون في الشهر اقل من ربع ساعة.. لكأن الثقافة تعيش في مكان اخر، بعد ان تم تجريف الوعي والذاكرة، وحلّ مكان الثقافة جهل مدجج ومؤدلج ومعروض في ارقى الواجهات.
معذرة يا كابتن رمضان، فالناس واعلامهم وفضاءاتهم مشغولون بمسلسلات رمضان قادم!!
(الدستور)