حماس و «خلافاتها»

- ثمة احتفالية، لا تخلو من الشماتة لدى البعض، بوجود خلافات داخل حركة حماس... ويحدثك هؤلاء كمن وقعوا على “كشف غير مسبوق” عن تيار غزة وتيار الخارج وثالث في الضفة ورابع في السجون...لكأن حماس وحدها، من دون باقي الفصائل، هي من يعاني أزمة الخلافات والتباينات، البالغة حيناً حد الانشقاقات.
شخصياً، لا أعرف فصيلاً فلسطينياً واحداً لا يعاني ما تعانيه حماس...هل يمكن الحديث مثلاً عن فتح الواحدة موحدة، هل تتحدث فتح عن نفسها بهذه الطريقة؟...ألا يقال الشيء نفسه عن الجبهة الشعبية “تيار دمشق” و”تيار غزة” و”تيار الضفة”...ألا ينطبق الأمر ذاته على الجبهة الديمقراطية؟....ثمة فصائل متشققة تبحث عمن يعيد جمع شطريها “الدمشقي” و”الضفاوي”، وثمة فصائل هي في مبتدأ وجودها إفراز لانشقاقات عن فصائل أم، وثمة أخرى بلغت من الانكماش حداً لم تعد معه قابلة للقسمة على اثنين.
الفصائل الكبرى، خصوصاً تلك التي تشهد أوسع وأعمق عملية تحوّل سياسي وإيديولوجي، تظل معرضة للانقسام في الرأي والتباين في المواقف والاختلاف في الاجتهادات....والفصائل التي تواجه عمليات تنقل وانتقال بين السلطة والمعارضة تواجه احتمالات كهذه، بل وقد تواجه انقسامات حادة، وعمليات طلاق بائن، بينونة كبرى...حماس كحركة فلسطينية كبيرة، تواجه هذه وتلك هذه الأيام....ولقد سبق لحركة فتح، أن واجهت في مراحل الانعطاف والانتقالات الكبرى، ما تواجهه حماس اليوم...وشهدت الجبهة الشعبية في “عز” صعودها أمراً مماثلاً، بل وأشد فتكاً.
وعلى الدوام، كان للشتات واختلاف جغرافياته، أثراً حاسماً في خلق تباين وتفاوت في المواقف، كانت تمليه إلى حد كبير، اختلافات المواقع وتباينها....فاللجوء الدمشقي له حساباته وبيئته وثقافته ومؤثراته...وبما يختلف عن اللجوء التونسي أو اللبناني، وكل هذا وذاك يتفارق مع الظروف المحيطة بالفلسطينيين في الضفة، وهؤلاء يختلفون عن فلسطيني القطاع المحاصر وأنماط المؤثرات والتأثيرات التي يتعرضون لها... ويصبح طبيعياً والحالة كهذه، أن تنشأ مدارس وتيارات فكرية وسياسية، مؤتلفة ومختلفة، متطابقة ومتفارقة في الآن ذاته، وحماس هنا ليست استثناءً، حماس ينطبق عليها ما انطبق وينطبق على بقية فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني.
في الأزمة الأخيرة التي تفاعلت داخل حماس، كانت هناك خلافات وتيارات، حول عناوين رئيسة تتصل برؤية الحركة وبرنامجها، سواء ما اتصل منها بالموقف من البرنامج الوطني الفلسطيني وأشكال الكفاح والمقاومة في مرحلة المقبلة، أو ما تعلق منها بإدارة السياسة اليومية للحركة...وقد أوضح قادة حماس في غزة بعضاً من جوانب هذا الخلاف المتصل بضعف قنوات التنسيق في إدارة بعض الاستحقاقات (المصالحة مثلاً)، ويبدو أن الاجتماعات الأخيرة للمكتب السياسي لحماس، قد نجحت في احتواء المسألة.
لكن الأمر الذي غاب عن أنظار كثيرين هو “الوضع الخاص” الذي تعيشه الحركة، وهو وضع تشترك في جانب منه مع حركة فتح.....لحماس كما لفتح على نحو معكوس، فهي السلطة في غزة والمعارضة خارجها. (الضفة)...وقيادتها الأولى، مكتبها السياسي، بخلاف فتح، تركت زمام السلطة لأسباب موضوعية لقيادة الصف الثاني من الحركة، الذين أكسبتهم السلطة مواقع قوة ونفوذ، وشعبية (انتخابية) وكاريزما، ما بات يؤهلهم لمنافسة الصف الأول ومطاولته...هي وضعية استثنائية، ستستمر إلى أن تستقر حماس على وضعية محددة داخل النظام السياسي الفلسطيني، سلطة ومنظمة.
(الدستور)