أنظمة جاءت بالدمّ لا ترحل إلاّ بالدمّ

- كل الأنظمة السياسية التي جاءت من خلال استعمال أسلوب القوّة والعنف والانقلابات العسكرية وعبر سيول الدماء، وأقامت عروشها على جماجم الخصوم وأشلاء المعارضين، لا يمكن أن تدوم وتستمر إلاّ بمواصلة منهج إرهاب الشعب وتخويف السياسيين، واستخدام أسلوب العنف الدموي، والارتكاز على أجهزة الأمن وأدوات القمع والإذلال، وتحويل الدولة إلى سجنٍ كبير.
هذه الأنظمة التي تستمد شرعيتها من العنف والدمّ، سوف يبقى هاجسها الدائم كيفية المحافظة على كرسيّ الحكم، والحيلولة دون التعرض لانقلاب عسكري مماثل، ولذلك تعمد إلى تضخيم أجهزة المخابرات والتجسس والمتابعة والمراقبة ومحاربة الكلمة، وملاحقة الأحرار وأصحاب الأقلام، والسعي الحثيث لوأد الأفكار المعارضة، ومطاردة أصحاب الفكر المستقل، والعمل على منع أي تشكيل حزبي معارض، أو أي تنظيم لا يؤمن بمنهج نظام الحكم.
هذه الأنظمة القمعية الدمويّة تستخدم أسلوب غسل الأدمغة، من أجل حشوها بمقولة واحدة تقوم على التسبيح بحمد القائد وتأليه الحاكم المستبد وتأميم الصحف والإعلام وكلّ منابر الكلمة لتكون عاملة في ميدان تمجيد النظام الحاكم فقط وتشويه كلّ مخالف وكلّ معارض، ويمتد هذا المنهج ليتناول الأهازيج والأغاني والفنّ والتمثيل لتصبح كلّها عاملة في مجال مدح القائد الملهم والثناء على عبقريته الفذّة، التي لم يعرف الزمان لها مثيلاً لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل، وليس هذا فحسب بل تعمد إلى تبديد أموال الشعب على تنظيمات تابعة لها في الدول المجاورة، وتنفق بسخاء على بعض الكتّاب والإعلاميين المهرة الذين يجيدون تسويق النظام وتبرير أفعاله والدفاع عن جرائمه على امتداد الساحات المجاورة.
ثم تلتفت الأنظمة إلى المناهج المدرسية والجامعية، لتعاد صياغتها من أجل الانسجام مع أقوال قادة هذا النظام وأفكاره، والعمل على ايجاد الأجيال الجديدة التي لا تعرف إلاّ هذا اللون من الحكم والإدارة، وكلّ من تسوّل له نفسه مجرد التساؤل أو إبداء الحيرة أو التفكير بالنقد أو المعارضة، فسوف يتعرض إلى التغييب والإخفاء الأبدي، أو الموت في السجون والزنازين المظلمة، التي لا تخضع لمراقبة ولا يحكمها إلاّ قانون الغاب وشريعته.
هذه الأنظمة التي ولدت من رحم العنف، وتستمد وجودها من فلسفة العنف ولا تعامل الآخر إلاّ بالعنف، لا يمكن أن ترحل بأسلوب ديمقراطي شعبي ولا يمكن أن تتنازل عن كرسي الحكم إلاّ بالعنف، ولن ترحل إلاّ بعد أن تغرق البلاد والعباد في بحرٍ من الدمّ، وهؤلاء لسان حالهم: «عليّ وعلى أعدائي يا ربّ»، فلا يهمّهم بلدٌ ولا وطنٌ ولا شعبٌ ولا تنمية ولا إنتاج ولا رفاه ولا ازدهار، هناك شيء وحيد أوحد هو (الكرسي).
(العرب اليوم )