سوريا تقسّم الأردنيين وتعطّل الحراك الشعبي الإصلاحي

تم نشره الأحد 04 آذار / مارس 2012 02:45 مساءً
سوريا تقسّم الأردنيين وتعطّل الحراك الشعبي الإصلاحي

المدينة نيوز - ما انقسم الأردنيون، منذ أيلول 1970 في صراع الدولة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، كما انقسموا حيال الموقف من الملف السوري الحالي.

هذا الانقسام برز بداية بين النخب السياسية والقوى الحزبية التي كانت تشارك في تسيير التحركات الشعبية الأسبوعية، لينسحب بعد ذلك على مجمل الشارع الأردني، بمن فيه أولئك الذين لا تستهويهم السياسة ولا ألاعيبها. ارتباط وثيق وربما كان قرب سوريا من الأردن واتصالها بها في مختلف نواحي الحياة، وخصوصاً الديموغرافية، سبباً رئيساً في تأجيج حال الانقسام.

 فديموغرافياً، تنتسب عائلات وأسر، وحتى قبائل بدوية، إلى سوريا، ولا تكاد تخلو مدينة من أسر شامية (نسبة إلى دمشق الشام) وسورية، وخصوصاً في مدن الشمال (إربد والمفرق والرمثا وجرش) والوسط (عمان والزرقاء والأزرق والرصيفة والسلط) وحتى في الجنوب (معان).

هذا إلى علاقات النسب والمصاهرة الكثيفة وغير المتوقفة منذ آماد بعيدة. كما أن العائلات الشامية، ومنذ ثلاثينات القرن الماضي، تهيمن على الحركة التجارية في عمان والزرقاء وإربد، وفي كبريات المدن التجارية في المملكة. كما يعتمد الاقتصاد الأردني بصورة أساسية على سوريا، خصوصاً في مجالي التبادل التجاري الذي تميل كفته لمصلحة سوريا، إلى تجارة الترانزيت مع لبنان وتركيا وأوروبا ووسط آسيا، التي تمر جميعها عبر الأراضي السورية.

لماذا الانقسام؟ في بدايات الأزمة، ومع نشوب أحداث درعا التي أوقدت نار الثورة السورية، انبرى عدد من البعثيين (الجناح السوري) والقوميين، وبحدة، لمهاجمة ما سموه "المؤامرة" على سوريا، وهاجموا "الغرب الاستعماري المرتبط بالصهيونية" وكل من يقف ضد دمشق، بصفته شريكا في المؤامرة التي "تهدف إلى فرط تيار الممانعة العربية". آنذاك، لم تكن المعارضة السورية في الخارج قد تبلورت، ولا دول الجامعة العربية تحركت. وكانت الأنظار مشدودة إلى تطورات الأوضاع في مصر، وليبيا التي بدأ التدخل الدولي في أزمتها يتبلور بدخول حلف شمال الأطلسي الصراع لإسقاط نظام معمر القذافي ودعم الثوار.

وهذا التدخل الأجنبي، مضافاً إلى تطور الأحداث في سوريا، أوجد رد فعل عند الأوساط السياسية لاحقاً. المعطيات السياسية كانت مختلفة في سوريا عنها في باقي دول "الربيع العربي" ومتأخرة عنها بعض الشيء، ومع ذلك، برز الصراع أردنياً بين التيار المؤيد للنظام السوري، وجلّه من اليسار، وتحديداً حزب البعث التقدمي (السوري)، والحركة الإسلامية، التي لم يكن موقفها الرسمي المناهض لنظام بشار الأسد قد أعلن صراحة بعد.

عداء الإسلاميين للنظام السوري قديم، وهو ارتبط بالموقف من فتك النظام أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد مطلع ثمانينات القرن الماضي بجماعة "الإخوان المسلمين" السورية وتنكيله بهم، ولم يشفع لدمشق احتضانها للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس". اللافت، أن الأحزاب الأردنية كلها اتفقت على دعم الثورتين المصرية والتونسية، واختلفتا على الموقف مما يحدث في ليبيا وسوريا.

 هذا الصراع أثر على الحراك الشعبي الإصلاحي في الشارع، وبدأ الانقسام بمقاطعة مؤيدي النظام السوري للنشاطات التي يدعو إليها الإسلاميون. وظهرت تجلياته في اللجنة التنسيقية العليا لأحزاب المعارضة الأردنية، التي انقسمت على نفسها، ليقف الإسلاميون وحيدين داخل اللجنة. وفرّخت التنسيقية العليا لجنة أخرى من خمسة أحزاب، لكنها لم تنسحب من العليا، حفاظاً على "وحدة المعارضة"، ولو إسماً.

الحراك الإصلاحي انقسم بحدة، وإن حاول الإسلاميون استقطاب بقية مكونات الحراك إليهم، فهم تحالفوا مع التجمع الشعبي للإصلاح (47 تجمعا ومبادرة شعبية) في الموقف الذي أعلنته صراحة بأنها "مع الثورة السورية وضد التدخل الأجنبي بأي شكل". وهي أضافت هذا الشعار ضمن شعارات الحراك. كما أقامت نشاطات داعمة للثورة السورية ومناهضة لنظام الأسد. وفي الوقت عينه أبقت الحركة الإسلامية تحالفها مع الجبهة الوطنية للإصلاح التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق أحمد عبيدات، وتضم كذلك الأحزاب المؤيدة للنظام السوري.

غير أن هذه الجبهة "عوّمت" موقفها من الملف السوري، وقصرت نشاطها على الهم المحلي الداخلي، وصار مؤيدو دمشق المنضوون تحت لوائها ينظمون فعاليات مؤيدة لسوريا منفردين. هذا كله أثر سلباً على الحراك الشعبي وأضعفه، وصب في مصلحة السلطات الأردنية التي كانت تصارع الحراك بشكل غير معلن، وإن كانت تؤكد دوما أنها لا تعاديه. الشارع الأردني دخول الشارع الأردني على الخط برز بإعلان قبيلة السرحان (القريبة أراضيها من الحدود) في آب الماضي أنها ستمنع أي حراك مناهض لدمشق على أراضيها، في رسالة إلى الإسلاميين الذين كانوا ينوون إقامة مهرجان خطابي ضد نظام الأسد.

هذا الموقف، الذي لقي رفضاً من بعض أبناء القبيلة، ومن فعاليات شعبية أخرى، تطور في الشارع ليصل إلى حد إقامة اعتصامات مؤيدة ومناهضة لنظام الأسد أمام السفارة السورية في عمان، وامتد إلى مجالس الأفراح والعزاء في مختلف المدن الأردنية، وانتقل إلى الإعلام الذي رصد هذا الانقسام في الشارع. الشارع منقسم بين من يخشى مؤامرة لتقسيم سوريا وإضعافها في ظل كلام عن ان هناك دولا عربية تنفذ أجندة خارجية وتقود حملة تمهيدا للتدخل الأجنبي.

 وهم يرون أن المعارضة السورية الخارجية منغمسة بالعمالة لدوائر الاستعمار. في المقابل، هناك من يصف النظام السوري بـ"الدموي والديكتاتوري"، ويرون أنه هو من أفسح في المجال بدمويته وإجرامه بحق شعبه، للتدخل الخارجي، ويطالبون برحيله، فيما آثار الأزمة السورية تترجم على الأرض بدخول نحو 80 ألف سوري الأراضي الأردنية، هرباً من العنف، وإقامة آلاف منهم في مخيمات للاجئين. وبينما الأردنيون منقسمون، يتخذ النظام موقفاً لا يحسد عليه، بين الضغوط العربية والأجنبية، لتبنّي مواقف أشد حسماً ضد دمشق، وفي مقدمها الاستعداد لجعل الأرض الأردنية قاعدة للتدخل، وتخوف من أن يكشف احتلال سوريا، ومن ثم تقسيمها، ظهرها لإسرائيل، ويعيد تجربة تقسيم العراق. (النهار )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات