ثقافة الوحدة

المدينة نيوز - ثورة الإصلاح العربي الحديثة حقّقت نجاحاً ملحوظاً في بعض الأقطار العربية واستطاعت القفز على كثير من الحواجز والعوائق الصعبة والخطرة, وما زال يكتنفها كثير من المصاعب, والمصائد التي ينصبها أعداء الإصلاح, وخصوم الحريّة وأيتام أنظمة الاستبداد وسدنة القمع.
من أهمّ عوامل النجاح الملحوظة التي كان لها الأثر البارز في التقدم الحقيقي على صعيد بناء الدولة الحديثة في الدول العربية التي أنجزت ثورتها يتمحور حول "ثقافة الوحدة" بين مكونات الشعب الواحد, وثقافة المشاركة بين القوى والاتجاهات السياسية الفاعلة, والتغلب على نوازع الفرقة وخطاب الكراهية وإثارة الخلافات الكامنة في بعض النفوس, أو المصطنعة بفعل فاعل.
عندما يخرج الشارع برمّته يجمعه هدف كبير وسام, يتجلّى في التخلص من حقبة الاستبداد وأنظمة التسلط القمعي, حينئذٍ ينبغي نسيان كلّ نقاط الاختلاف, وتعميم ثقافة الوحدة والتشارك في صناعة القوة الشعبية الهائلة والفاعلة والقادرة على انتزاع الحقوق العامّة واستعادة السلطة المسلوبة والمقدرات المنهوبة, ومن ثمّ الانتقال إلى مرحلة البناء والازدهار.
مرحلة البناء والتطوير أشدّ حاجةً إلى ثقافة الوحدة والمشاركة, ولذلك يجب ابتداع الأطر الجبهوية التشاركية التي تتسع لكلّ القادرين على البذل وكلّ القادرين على العمل البنّاء, وكلّ أصحاب العقول والمواهب والإبداعات في مجال التطوير نحو الأفضل والتخلص من حقبة الظلام والتخلف.
إذا تغلّب خطاب الكراهية على خطاب المحبة, وخطاب الفرقة على خطاب الوحدة, وإذا ساد أسلوب التحريض والتشويه والبحث عن المثالب والأخطاء وانتفت ثقافة المشاركة وازدهرت العصبيات, والنزاعات الجهويّة والعرقيّة والمذهبيّة والفكريّة, أو ظهر التراشق والتحريض, وتحوّل بعضهم إلى أدوات تنخر في النسيج الاجتماعي, وأداة لدق الأسافين بين القوى السياسية والمكونات الاجتماعية, عند ذلك سوف يتأخر الإصلاح ويتباطأ التغيير, ويستمر الظلم والفساد والطغيان.
فالشباب بحاجة إلى امتلاك حاسة مهمّة وهم يخوضون معركة النهوض والتغيير, تلك الحاسة التي تجعلهم يفرّقون بين خطاب الوحدة والمشاركة من جهة, وبين خطاب الفرقة والتحريض من الجهة الأخرى, وأن يكونوا على حرص تامّ من أن يتمّ توظيفهم في معركة الخلاف الداخلي, والتحريض المتبادل, وهم لا يشعرون.
(العرب اليوم )