الكرامة تجمعنا.. وغيرها يُفّرق!!

المدينة نيوز - قم وصافح ملائـك الرحـمن
واصنع المجد في ذرى عمان
وامنح القدس من دمائك فيضاً
واكتب النصر بالدماء مضيئاً
وتحـد الغـزاة غير جبـان
هذه أبيات رثى بها الشاعر يوسف العظم الشهيد منصور كريشان بطل معركة الخامس والعشرين من شباط عام 1968 وهي معركة الشهداء السبعة الذين سقطوا دفاعاً عن هذا الثرى الأردني الطهور قبل معركة الكرامة الخالدة..
منصور كريشان سيبقى في ذاكرة الاردنيين ما بقيت النخوة والكرامة والشهادة وذكر القدس وارض الرباط..وستبقى ذكرى استشهاده حجر الأساس في الثقافة الوطنية التي حان وقت تعظيمها والبناء عليها لمداميك جديدة عالية حتى لا يعلو الصدأ أرواحنا وحتى لا ننصرف الى غير ما يجمعنا ويوحدنا في الهدف الواحد..
يروى عن الشهيد منصور كريشان الذي استشهد في الباقورة حيث كان غور الاردن يصد الغزاة الصهاينة في حرب الاستنزاف ويقف الأردنيون صفاً واحداً دفاعاً عن مدنهم وقراهم وحريتهم واستقلالهم ليتوجوا كل ذلك في الكرامة الخالدة في 21/3/1968 ..
يروى عنه في حوار له مع سائقه علي حين سأله «يا منصور بك الضباط الذين كانوا معك وفي نفس الدفعة ترفعوا الا انت».. فنظر اليه منصور مبتسماً وكان شبه ملثم بشماغه وهم يعودون من مركز الكتيبة الى أكثر نقطة متقدمة على الحدود يتفقد سرايا الكتيبة قائلاً..»يا علي..أنا أنتظر ترفيعاً يختلف ..وصمت..!!
كان منصور يدرك طبيعة المهمة التي يقوم بها وحجم التحدي الذي يجعله ينصرف الى خيارات أخرى..ترفيع الكرامة والبطولة والاستشهاد وهو ما ناله منصور كريشان حين استشهد في 25/2/1968..
حين يجري الحديث عن الكرامة والبطولة والتضحية يتوحد الاردنيون ويصمتون امام تدفق تاريخهم المتصل بالتضحيات..وحين يبتعدون عن ذلك يتفرقون ويبدأ الهرج والمرج وتختلط الأوراق..
نعم الكرامة توحدنا..ومن هنا لا بد ان نبدأ ..من ذكراها ودلالاتها والمعاني التي تمثلها..ولعل المبادرة الملكية في الدعوة لاعتبار يوم استشهاد الرائد منصور كريشان ورفاقه السبعة في غور الاردن الشمالي اشارة واضحة للتركيز على التاريخ الوطني واتخاذ هذا اليوم يوماً وطنياً للاحتفال بالمحاربين القدماء..الشهداء منهم والأحياء ..وهي هدية الوطن لهم..اقراراً واعترافاً فالأمم تنهض أيضاً حين تتمسك بتاريخها الناصع ذي المضمون الصادق البعيد عن التزييف..
مناسبة الكرامة الخالدة التي احتفى بها الأردنيون أمس يتقدمهم الملك واحياء ذكرى معركة الشهداء السبعة واعتماد معركتهم يوماً وطنياً انما يؤكد حاجتنا لتعميق الثقافة الوطنية في أعمق دلالاتها وهي الاستشهاد والتضحية والفداء..
ما زلت اعتقد وأنا أكتب عن تاريخ المكان سلسلة من الكتب واتعرف على صلة الجغرافيا الاردنية بالتاريخ وضرورة الربط الواعي بينهما اذ ان جغرافيتنا الصعبة هذه والتي تواجه التحديات الكبيرة لا بد من اعادة تأثيثها بالتاريخ المناسب والذي يشكل مخزوناً كبيراً عند الاردنيين بعضه منشور ومدون وبعضه ما زال في الصدور والوجدان يحتاج الى تاصيله وزرعه في المناهج والاعلام والسلوك ليساعدنا على الخروج مما نحن فيه من قصور في فهم كثير من الظواهر التي نعيشها او تحيط بنا ويستطيع شبابنا وأجيالنا الطالعة من الاعتصام بالمشترك من التاريخ القادر على تحديد الهوية وتمتينها وابراز ملامحها..
نعم نحن بحاجة الى مناهج وطنية لا تجعل صلتنا بتاريخنا الوطني ضعيفة أو محدودة وانما قوية.. واسأل لماذا غاب عن مناهجنا منذ الراحل المؤلف «ذوقان الهنداوي» كتاب تدريس القضية الفلسطينية ؟...ولماذا تغيب الترجمة الحقيقية لبطولات جيشنا العربي على اسوار القدس وثرى فلسطين وغور الأردن والكرامة؟ ..حان الوقت لزيادة جرعة التربية الوطنية لأنها الارض المتماسكة التي تحفظ وقوفنا جميعاً معتدلاً فوقها وتمنع كل هذه الاشكال الطائشة من العنف الاجتماعي الاهوج الذي يبحث عن الهوية وعن المشترك..الكرامة موحدة ويوم 25 شباط لا بد أن يضيء مجدداً ما فرضناه على أنفسنا من تعتيم وما جربناه من الكرامة زاد السراب في حياتنا..
(الراي)