خذوا العبرة من «آراب أيدول»

المدينة نيوز - تمنيت وأنا أشاهد الحلقة الأخيرة من برنامج "آراب أيدول"، لو أن المنظمين استحضروا "لجنة تحكيم محايدة"، تُخضع المُتبارين والمُحكمين لحكمها وقراراتها العادلة...لم يساورني الشك في أن النتيجة كانت ستأتي في صالح كارمن سليمان ودينا بطمة ويوسف عرفات...في ظني أن "السوبر ستار" و"السوبر ستارة" كانا سيسقطان أرضاً بالضربة القاضية الفنية كما يقال في لغة الملاكمة...لقد بدا جيل "السوبر"، منهكاً، متعباً ومبحوحاً...مع أنه يصر على ممارسة طقوس النجومية التي ألفها واعتاد عليها، ويجد صعوبة بالغة في الاعتراف بأنها لم تعد لائقة به، بل ولم تعد من حقه، وأن "التداول"، هي سنة الحياة، في السياسة والحكم، كما في الفن وعالم النجومية.
أعادتني حلقة الأمس من البرنامج المذكور، إلى بعض ذكريات العمل الصحفي والسياسي...ذات يوم، تقدم زميل مخضرم للعمل في صحيفة يومية، فتقرر إخضاعه لامتحان كفاءة واختبار منافسة، إمعاناً في النزاهة والشفافية و"تكافؤ الفرص"...امتحنه نفر من صحفيي الصف الثاني والثالث، وكانت النتيجة، إسقاطه بالضربة القاضية الفنية، لأن لجنة الامتحان الكريمة، كانت لها "نوازعها غير البريئة" مع غيره من المتقدمين...ذهب الفائز بالامتحان أدراج الترك والنسيان، وذهبت معه اللجنة الكريمة، وتمكن زميلنا من مواصلة طريقه الصعب والشائك....بالمناسبة لم يكن راتب تلك الوظيفة التي تقدم لها صاحبنا أزيد من ثلاثمئة دولار شهرياً، عداً ونقداً ؟!.
وأذكر في زمن غابر، أن صديقاً مثقفاً في تنظيم يساري فلسطيني، عرض على أمينه فكرة الاستقالة، أو بالأحرى إنهاء التفرغ، وفقاً لقاموس تلك الأيام...والسبب أن صديقنا المثقف، ضاق ذرعاً بهبوط مستوى وسوية المكتب السياسي، أو كثيرٍ من أعضائه، فالسقف الخفيض وفقاً لتعبيره، يمنعك من أن ترفع رأسك أو تشرئب بعنقك...يومها ردّ الأمين العام بالطلب إلى صديقنا الاستمرار بـ"مناطحة" السقف حتى تكسيره...كُسّر رأس صديقنا وظل السقف على حاله...أما من كان يقصد من أعضاء المكتب السياسي (لجنة التحكيم والحكماء) في ذلك الحين، فقد غادر كثيرون منهم المسرح إلى الزوايا والتكايا أو إلى الترك والنسيان والتقاعد المريح أو غير المريح.
ذات مؤتمر للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين في الجزائر، فوجئ كاتب هذه السطور، بأن معظم أعضاء المؤتمر، الكثرة الكاثرة من كبار كتاب فلسطين وشعرائها وصحفييها وإعلامييها، تخرّجوا من رحم تنظيمات يسارية فلسطينية...أو مرّوا بها، وعملوا في صحفها ودوائرها الثقافية والإعلامية والإيديولوجية، لبعض الوقت على أقل تقدير...يومها قفز السؤال إلى ذهنه، وطرحه على من حوله من "رفاق": ما الذي يدفع بمئات المثقفين للتوجه صوب اليسار في شبابهم...وما الذي يجبرهم على مغادرته، ما أن تشتدّ اعوادهم وتشرئب أعناقهم؟...مرة أخرى، حكاية السقف و"لجنة التحكيم" والأجيال التي لا تخلي مكانها إلا بانتهاء الآجال ؟!.
وأحسب أن ما شهدناه وشاهده ملايين الناس أمس الأول على الشاشة الصغيرة، يصلح مثالاً للحكم والقياس على كثير من الظواهر الحزبية والاجتماعية والثقافية والفنية في بلادنا...أحسب أن قضية "ربيع العرب" هي باختصار، تعبير عن وصول "لجان التحكيم والحكم والحكمة" في دولنا إلى آجالها الافتراضية...لكنها مع ذلك، ما زالت متشبثة بـ"نجوميتها" و"امتيازاتها"، ولا تريد أن تخلي الساحة لدفق الشباب والأجيال الصاعدة، لا تريد أن تُقر بقاعدة "الأيام دول" و"لو بقيت لغيرك لما آلت إليك"...حتى في الدول التي تُسطّر هذه العبارة على واجة مبانيها الحكومية (لبنان مثلاً)، رأينا أن خروج رئيس الوزراء من مكتبه، يكفي لإدخال البلاد في أزمة لا تنتهي إلا بعودته إليه...إنه بريق النجومية و"شبق السلطة"، اللذان أوديا بحياة عشرات ألوف العرب في سنوات الركود والثورة، إلى أن أوديا بحياة المصابين بهما، وفي تجربة "الأخ العقيد" أو "الرئيس القعيد"، عبرة لأولي الألباب.
(الدستور)