قمة بدون الهزليين والثوريين

اهم منجزات القمة العربية الحالية انها تنعقد في بغداد وليس في اية عاصمة عربية أخرى مستقرة ولا تعاني مما عانت ولا زالت تعاني منه العاصمة العراقية بغداد ,فالعرب بحاجة الى العراق ليعود قويا وفاعلا في اطار العمل العربي المشترك –إن وجد – ولكن ضمن معايير القوة والفعالية المقبولة في عالمنا العربي والتي لا تسمح لهذا العضو او ذاك بالتميز او محاولة التميز على حساب الضعف العربي, ومن رصيد التوافق على هذا الضعف في مواجهة قضايا وازمات المنطقة ,وهذا بالضبط ما فعله الرئيس السوري بشار الاسد في كل القمم التي شارك فيها حين امعن في مخاطبة القمم العربية بفلسفة الديمقراطي رغم انه لم يأت بانتخابات تعطه حق الحديث عن الديمقراطية ,وبلغة البطل وليس في سجله من بطولات تذكر,وبلغة المقاومة وما من مقاومة لا من جانب سوريا ولا من جانب حلفائها,وبلغة الدولة المتقدمة اقتصاديا بينما الشعب السوري يعاني الامرين ,هذه الفلسفة التي مارسها قبل الاسد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين فاكسبته كراهية الزعماء العرب ,هي ذاتها ما اكسبت كراهية نفس الزعماء والقادة للرئيس بشار الاسد الذي عمد الى ابراز نقاط ضعف النظام الرسمي العربي وبنفس الوقت التبرء منه كما لو كان زعيما مختلفا عن البقية ولكن لا حول له ولا قوة ..!
لعب القذافي نفس اللعبة, وكانت له وقاحاته الخاصة التي فاقمت من مواقفه الهزلية لتنقلب ضده في معظم القمم التي شارك فيها بعباءته الشهيرة ,ومن الانصاف القول ان بشار الاسد زعيم مختلف بالفعل لكن ليس عن بقية الزعماء الاسوياء العقلاء ,وانما عن الزعماء من طراز القذافي فقط فكلاهما اراد نفس الهدف وهو التميز وكانت لكل طريقته ,فلم يكن بيد الاسد غير مظلة المقاومة ليتشبث بها ويخاطب ضمائر الشعوب العربية بواسطتها ,ولم يحقق نجاحا يذكر على صعيد اقناع العرب بتميزه على عكس الرئيس صدام حسين الذي قال كثيرا وفعل كثيرا ايضا ولكن ضمن سلسلة طويلة من الاخطاء المصيرية والفظائع المهولة ,فالاسد كان أكثر من تكلم وأقل من فعل وهنا الفرق بين نموذجين من نفس الخلفية الايديولوجية ,والى اليوم لا يزال لصدام حسين رصيد بين الكثيرين من العرب لانه ضرب اسرائيل بالصواريخ ,على عكس الاسد الذي لم يسمح حتى بمقاومة الاحتلال الاسرائيلي للجولان .
والعرب في هذه اللحظة التاريخية بحاجة الى العراق كما كانوا بحاجة اليه في مطلع الثمانينات من القرن الماضي بعد انتصار الثورة الخمينية ,فاليوم ايران تشكل خطرا واقعيا وفعليا وليس بالنظرية والفكر المتعصب فقط ,وهذا يتطلب جارا قويا ايضا لموازاة الخطر القادم من الشرق والمتوقع في اية لحظة ,من هنا يأتي الاصرار العربي على عقد القمة في بغداد رغم الاخطار ومحاولة دعم الحكومة العراقية معنويا في هذه المرحلة رغم دخول العراق في عهد حكومة المالكي في تحالف غامض مع كل من ايران ونظام الاسد في دمشق ولكنه تحالف باهداف مختلفة عن تحالف طهران دمشق الموجه ضد دول الخليج وانظمتها السياسية تحديدا ,فالعراق ليس طرفا في هذه اللعبة لكنه لا ينفي بالوقائع حقيقة انه نظام قريب من الميول الطائفية وانه يعود بالعراق تدريجيا الى ايام ديكتاتورية البعث وسطوة الحزب الحاكم اذا بقي الحال على ما هو عليه .
قمة في بغداد بدون تهريج هذه المرة ,فلا القذافي ولا مبارك ولا على عبدالله صالح ولا زين العابدين بن علي ولا بشار الاسد , فبأي قرارات ستنفض والى طريق ستأخذ الاجماع العربي فيما يخص سوريا تحديدا,هل بدون هؤلاء سنشهد ( تحديثا ) ولو على خطاب القمم العربية ووفاق الزعماء والقادة والوفود وذلك اضعف الايمان ..!؟ الرأي