عناوين لحل المشكلة.. الفساد، الاقتصاد، السياسة

نخطىء اذا تصورنا بان هؤلاء الشباب الذين يخرجون للاحتجاج في الشارع هم “المشكلة” وبأن “اسكاتهم” واعادتهم الى بيوتهم هو “الحل”، نخطىء هنا مرتين: مرة حين نعتقد بأنهم قلة لا يمثلون الا انفسهم، وبأن مطالبهم مبالغ فيها، وسقوف شعاراتهم تجاوزت اخلاقيات العمل السياسي، وبأن ما قدم من “وجبات” اصلاحية تكفي وترضي، وبالتالي لا مبرر لبقائهم في الشارع، ومرة اخرى نخطىء اذا تعاملنا معهم بمنطق “القسوة” واظهار العين الحمراء وتلقينهم دروسا في “الوطنية” او تشويه صورتهم امام الناس، او اعتبارهم خارجين عن “التوافق” الوطني وعن “ملة” الاصلاح ايضا.
المشكلة ليست مع هؤلاء، وانما مع “الناس” الذين اصبحوا يشعرون اكثر من اي وقت مضى بأن “الدولة” خذلتهم وهمشتهم، وبأن رعود الاصلاح وبروقه لم تتكشف غيومها لتمطر على ارضهم المجدبة، الناس الذين طحنتهم عجلة “الاقتصاد” الذي انحرفت مساراته، وافقرتهم سياسات البذخ “والفساد” الذي استشرى في كل مكان، الناس الذين لم تستطع “النخب” التي تقيس رضاها وغضبها على مسطرة المصالح ان تتحدث باسمهم او تنقل معاناتهم، وتدافع عن حقوقهم.
يمكن –جدلا- ان نقنع هؤلاء “الشباب” –او نكرههم- للانصراف من الشارع، ويمكن –جدلا ايضا- ان نطفىء الحراكات بقرار امني او سياسي، لكن هل يمكن معاندة حركة التاريخ وسنن التغيير؟ هل يمكن اعادة عقارب الساعة التي دقت في عالمنا العربي الى الوراء؟ هل يمكن اقناع الناس بان ما حدث من تجاوزات طالت كل شيء لن تتكرر في المستقبل؟ هل يمكن –باختصار- ان نطمئن على عافية المجتمع والدولة في ظل “ازمات” سياسية واقتصادية تتناسل كل يوم واصرار على بقاء الوضع على حاله؟
يتعمد البعض “تزيين” الصورة او التهوين من ظلالها الخطرة، ويتعمد اخرون تقديم حلول “عاجلة” لاستيعاب ما يحدث او تطويقه، فيما “تنفخ” اطراف اخرى في “الكير” لاشعاله، لكن اللافت اننا منذ سنة ونصف السنة تقريبا لم نتوجه الى “عنوان” المشكلة، ولم نتصارح حول اقصر الطرق لمعالجتها، صحيح اننا نتحدث باسهاب عنها، ونعبّر عن نوايا طيبة لتجاوزها، وصحيح ان ثمة من تجاوز اخلاقيات العمل السياسي في الشارع وثمة من تجاوز اخلاقيات العمل المهني في مواجهة ذلك، لكن الصحيح ايضا ان ارادة الاصلاح ما زالت معطلة، وان صبر الناس اوشك ان ينفد، لا لمجرد الشعور “بالضنك” الاقتصادي والاجتماعي او حتى لغياب فرصة التحول نحو الديمقراطية وانما –ايضا- بسبب اضطراب في مزاج الناس وارتباك في ادارة الدولة “للازمة” واحساس عام “بافتقاد” البوصلة والامل..
في ضوء ذلك، من واجبنا ان ننبه الى ان ثمة “ازمة” تتعمق وتمتد، وثمة محاولات غير صائبة لمعالجتها، وتصورات خاطئة لتجاوزها، واذا صحت مقولة التشخيص الصحيح هو نصف العلاج –وهي صحيحة- افضل ما يمكن ان نفعله هو الدخول الى المشكلة من خلال ثلاثة عناوين مهمة: اولها- ملفات الفساد، وثانيها- الملف الاقتصادي، وثالثها- الاصلاحات الدستورية، فهذه هي كل مطالب الناس، اما آليات الدخول اليها وحسمها فتحتاج الى تفصيل يمكن لفقهاء السياسة والقانون ان “يكيفوه” بمعرفتهم بشرط ان يكون لدينا الارادة الجدية لتحقيق اصلاح لا يخضع للمناورات ولا الاجتهادات الشخصية، ولا “يفصّله” من كانوا “جزءا” من المشكلة على مقاساتهم ولا يعيد المعادلات السياسية والاقتصادية التي سبق تجربتها ولم تقدم لنا سوى “الخراب”.