نائب رئيس الجمهورية لاجئ سياسي

تم نشره الثلاثاء 10 نيسان / أبريل 2012 04:39 مساءً
نائب رئيس الجمهورية لاجئ سياسي
ياسر الزعاترة

يبدو أن السيد نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي سينضم إلى عدد من اللاجئين السياسيين الذين تستضيفهم دولة قطر، وهو انضم بالفعل بعد قدومه إلى الدوحة (قيل سيمكث في السعودية)، مع أنه كان من الناحية العملية لاجئا سياسيا في “كردستان” التي تعتبر جزءًا من دولة العراق من الناحية النظرية، بينما هي مستقلة من الناحية العملية، بدليل أن رئيس الوزراء (ملك العراق المتوج) نوري المالكي لم يتمكن من أن يفرض عليها تسليم الهاشمي لقضائه “العادل النزيه” بتهمة دعم الإرهاب!!

تلك واحدة من مفارقات عراق ما بعد الاحتلال، فالرجل الذي شارك المالكي وأصحابه لعبة تشريع الاحتلال والتعاون معه لردح من الزمن بات برسم الاستهداف؛ هو وجمع من زملائه (رموز العرب السنة) الذين كانوا يمنحون شرعية هذه الفئة لعملية سياسية مشوهة يديرها المحتل الأمريكي.

مشكلتنا مع الهاشمي وأصحابه تتمثل في أنهم كانوا يبررون تعاونهم مع المحتل والحكومات التي كان يشكلها بالمواجهة الأكثر أهمية وأولوية ممثلة في مواجهة النفوذ الإيراني، ويدور الزمان وإذ بهم يقدمون البلد مرغمين هدية للإيرانيين، حتى أن قاسم سليماني لم يجد حرجا في القول إنه وجنوب لبنان جزء لا يتجزأ من فضاء النفوذ الإيراني الخالص، مع أننا لم نكن في حاجة لتصريح من هذا النوع حتى نتأكد من ذلك.

كان بوسعهم كما قلنا مرارا أن يديروا اللعبة بطريقة أخرى تتمثل في مشاركة مدروسة تمنح شرعية الفئة التي ينتمون إليها مقابل مكاسب حقيقية، وليس مجرد عطايا أكثرها شخصي أو حزبي كالتي كانوا يتحدثون عنها في سياق تبريرهم لما كانوا يفعلون.

أيا يكن الأمر، فقد خرج الاحتلال (ليس خروجا كاملا بالطبع) ووقع البلد فريسة بيد إيران وحلفائها، ولم يعد المالكي في حاجة لتلك الشرعية التي كان ينتظرها من الهاشمي وأصحابه، وصار بوسعه الحديث عن شرعية الأغلبية وليس شرعية التوافق كما قال غير مرة.

إنه غرور القوة الذي تلبس المالكي ومن ورائه طهران، وهو غرور لم يسمح لهم بالتفكير بقدر من الشراكة المعقولة مع المكون العربي السني، فكان أن أداروا الظهر للكتلة البرلمانية التي جرى ترتيبها عربيا وتركيا (القائمة العراقية) رغم فوزها بالمرتبة الأولى في الانتخابات، وأصروا على دكتاتورية مذهبية يعبر عنها المالكي أوضح تعبير.

اليوم يدفع غرور القوة (المشفوع بالخوف والارتباك بعد الثورة السورية)، يدفع المالكي إلى شن حرب شعواء على السعودية وقطر، ومن ورائهم سائر العرب الذين يتعاطفون مع الثورة في سوريا، ويسمح لنفسه بالجزم بأن النظام في سوريا لن يسقط بحال من الأحوال، مع إدانة واضحة للعرب، لاسيما الذين يدعون إلى تسليح المعارضة، ورفض للعنف والتدخل الخارجي.

ينطوي كلام المالكي وعموم تصريحاته في هذا الملف على قدر من الوقاحة، فمن فجَّر السفارة العراقية في بيروت ونفذ العمليات العسكرية ضد النظام العراقي باسم حزب الدعوة، ومن شرَّع الاحتلال، بل استجلبه وجاء على ظهر دبابته لا يحق له وعظ الناس حول مخاطر العنف والتدخل الخارجي، كما أن من يمارس الاقصاء والتهميش لأكثر من ثلث السكان (العرب السنة)، ويمتهن كرامتهم وكرامة سياسييهم، لا يحق له الحديث عن التمييز ضد الشيعة في السعودية، لاسيما حين يتجاهل تهميش السنة في إيران.

الأسوأ هو حديثه في مقابلة قبل القمة عن النظام الطائفي الذي سينشأ في سوريا ويهدد لبنان أيضا، ولا ندري كيف يكون نظام يمثل أكثر من ثلاثة أرباع السكان ويعلن رموزه (رموز المعارضة) أنهم ضد الإقصاء والتهميش لأية فئة، كيف يكون طائفيا، بينما يكون نظام بشار الأسد الدكتاتوري الفاسد ديمقراطيا وتعدديا!!

لحسن الحظ أن المالكي لم يتحدث عن المقاومة والممانعة كما يفعل صديقه في بيروت (حسن نصر الله)، وإلا لكان أكثر إثارة للسخرية من دون شك، لكن عموم الموقف لا يشي بغير البعد المذهبي المفضوح الذي تفوح روائحه من مواقف طهران وحلفائها من الملف السوري.

إذا كان المالكي وحلفاؤه في طهران وبيروت يعتقدون أنهم بتصريحاتهم العرمرية سينقذون نظام الأسد ويمنحون أركانه المزيد من طمأنينة البقاء، فهم واهمون، لأن الثورة ستستمر وتنتصر، ولن يتمكن بشار الأسد بعد هذا الكم من الضحايا والمعذبين من البقاء بأي حال، ولو استمرت المعركة عشر سنوات أخرى.

أيا يكن الأمر، فما يفعله هؤلاء سيرتد وبالا عليهم (حتى لو بقي نظام الأسد)، لأن من يعادي الغالبية الساحقة من الأمة، ويعتقد أنه سينتصر عليها ويركعها غارق في الوهم من دون شك، والأيام ستثبت لهم ذلك إذا لم يعودوا إلى رشدهم ويبادروا إلى سياسات تعزز التعايش بين أبناء الأمة بدل سياسات الإقصاء والتهميش ودعم الباطل التي ستعزز الصراع المذهبي، في وقت يبشر الربيع العربي بتعزيز قيمة الإنسان بصرف النظر عن عرقه ومذهبه. (الدستور)
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات