صناع السوق في سوق عمان المالي وتضارب المصالح(1)

تحتضن الأسواق المالية في دول العالم عدة أنواع من المستثمرين فيها تتراوح ما بين , «المضاربين المقامرين» , والمقامرين ,والمدخرين , و»المضاربين المستثمرين « ,والمراقبين, ومقتنصي الفرص , و المحتكرين , وصناع السوق ,وغيرهم وبنسبٍ متفاوتة يحددها بشكل رئيسي؛ مستوى الدخول في كل دولة , و مستوى الثقافة , والعدالة أو الظلم في توزيع الدخول , ودرجة انفتاح الدولة على الأسواق العالمية , والموقع الجغرافي , والتركيب السكاني , والتشريعات والقوانين الحاكمة للأسواق المالية , ودرجة تطبيق الحاكمية المؤسسية واستقلالية القرار في الجهات المسؤولة عن تنظيم عمل هذه الأسواق .
وتتميز كل دولة بصبغةٍ خاصة تميز أسواقها المالية عن غيرها وتحدد آلية عملها وتبرر حركة أسعار أسهمها وتقلب المؤشر السعري العام لأسهمها , فتراها تارةً يغلب فيها العشوائية والفوضى في حركة أسعار أسهمها وفي طريقة تجاوب المستثمرين فيها , وتارةً يغلب عليها المنطقية والعقلانية في حركة أسعارها وتجاوب المستثمرين فيها ,وفي كلا الحالتين يغلب على هذه الصبغة نظام عام وتتشكل صورة شاملة لما يحدث في هذه الأسواق يمكن فهمها وبرمجة انفسنا للتعامل معها .
فها هو سوق عمان المالي يسوده النظام والعقلانية في فترات الرواج والازدهار وتسوده الفوضى و العشوائية في فترة الكساد , فنرى أقلام المحللين نشيطة وكثيرة ومليئة بالمسببات والتفسيرات ويسودها التفاؤل في فترات الازدهار وكسولة وشحيحة ويسودها التشاؤم في فترات الكساد وفارغة من المسببات ,وكأننا نستطيع الإجابة على تساؤلات جمهور المستثمرين في الرخاء ونختبئ عنها في أوقات العسرة .
فإذا اعتبرنا الفترة الحالية فترة عسرة ,فكيف نستطيع أن نفسر ما يحدث في سوق عمان المالي ابتداء من العام 2005 وانتهاء بالعام 2012 !!!.
على كل الأحوال الجواب جاهز في الأسواق وموجود على الرفوف ؛ بالصيغة التالية :
«إن ما يحدث في سوق عمان المالي هو بسبب الأزمة العالمية وارتداداتها التي أثرت سلبياً على الاقتصاد الأردني وعلى مستوى الدخول وأرعبت رؤوس الأموال من البقاء في الأردن أو الدخول اليه من قبل المستثمر الخارجي , وعليه يتوجب علينا الانتظار حتى تتحسن الأسواق المالية العالمية والاقتصاد العالمي حتى نعود الى ما حدث في شهر تشرين الثاني من العام 2005 من ازدهار غير مشهود في بورصة عمان» .إن هذا الجواب تستطيع أن تحصل عليه من أي شخص تصادفه في الأسواق وتم التسليم بمصداقيته من قبل غالبية المحللين الماليين وجمهور المستثمرين في الأردن .
اما الجواب الذي يمكن أن يكون خلف الستار ويمكن أن يفسر الكثير مما عجز الكثير عن تفسيره فهو وجود نوعين من صناع الأسواق ( أي كبار المستثمرين الذين يملكون رؤوس الأموال السائلة والضخمة ويشكلون حصة لا بأس بها من السوق ) داخل سوق عمان المالي؛أما النوع الأول : فهو صانع السوق الظاهر للعيان والمعروف لدى الجميع والذي يعاني من الصعوبة في تحريك أمواله واستثماراته في الأسواق لأن سوق عمان المالي لا يستطيع ان يعكس عملية البيع أو الشراء لهذا الصانع من دون أن يكون هناك اثر واضح على قيمة السهم مما سيتسبب في خسارة كبيرة لهذا النوع من صناع السوق وخسارة كبيرة على صغار المستثمرين , أما النوع الثاني من صناع الأسواق: فهو ذلك النوع الذي لا يظهر للعيان ويستطيع التلاعب بحركة الأسهم وتوجيه السوق في أي اتجاه يؤدي الى تحقيق مصالحه وأن يسبب الخسارة أو الربح لصانع السوق الظاهر للعيان حسبما تتحقق مصلحته .
هذه العملية التي تتضارب فيها المصالح بين النوعين من صانعي القرار تؤدي الى ما نراه من حركة يمكن أن نصفها في بعض الأحيان بغير المفهومة والعشوائية الفوضوية والتي تتعارض مع قوى الطلب والعرض والتي يكون ضحيتها صغار المستثمرين والذين يشكلون نسبة لا بأس بها من بورصة عمان.
(الدستور)