لماذا حصانة الوزراء ؟.. و حمايتهم من المحاكمة ؟!..
كنت اعتقد أن التعديلات الدستورية التي أقرت في العام الماضي كانت مقبولة وتكفي بنسبة 80% لتسد حاجة الداعين إلى الإصلاح و التعديل الدستوري ، أما باقي النصوص التي بحاجة إلى التعديل والتي هي مطلب المعارضة الآن، فيمكن تأجيلها إلى المستقبل حيث تتحقق تلقائيا مع الزمن ، و بعد أن تأخذ التعديلات الجديدة مداها في التطبيق وتعيش مع الناس ، وبعد أن يفرح المواطنون بمجلس نواب منتخب بحرية ونزاهة ودون تدخل أو تزوير !..وعلى مجلس النواب الجديد (الموعود) أن يكمل المشوار في هذه التعديلات الضرورية ..
أما وقد حصل ما حصل في قضية الفوسفات ، وقبلها في قضية الكازينو ، وقبلها في قضية الضاغطات الخردة أو كابسات وزارة البلديات ، فان هذه المواضيع الكبيرة جعلت من مجلس النواب الحامي الأكبر للفساد ، والمبارك لانحرافات الوزراء أثناء خدمتهم ، ومجاملة من النواب تحت تأثير الترغيب أو الترهيب يمنحون الحصانة للوزراء ويمنعون أصحاب الولاية العامة (النيابة القضائية ) من التحقيق في تلك القضايا !..واخشى ما أخشاه الآن أن يحمي مجلس النواب الحالي بقراراته القادمة بقية المتهمين من المسئولين في القضايا المنظورة لدى هيئاته التحقيقية المختلفة كسكن كريم وغيرها، ويؤمن لهم الحماية والحصانة اللازمة من المحاكمة، فيكون بذلك قد حمى الفساد وحرم الجهات المختصة من التحقيق في هذه القضايا وفرض العدالة المطلوبة !!..
وماذا يضير الوزير إذا مثل أمام القضاء إذا كان بريئا؟!..عندها سينال شهادة صادقة من جهة مشهود لها بالنزاهة والعدالة والاستقلال ، ولا يبقى خاضعا للإشاعات والاتهامات الباطلة التي يقصد بها الاغتيال السياسي أو تصفية الحسابات في بعض الأحيان، وينقي سمعته وتاريخه بصك البراءة الصادر عن القضاء والذي يمثل وسام شرف على صدره ، ويخرس السنة السوء التي تنهش بسوء كل من يذكر أمامها من المسئولين !..
أما حماية الوزراء من المحاكمة بقرار من مجلس النواب ، والذي يؤخذ بالتوسط والجاهات وتبويس اللحى والهجوم على النواب في منازلهم ليلا، وبالرجاء والاستعطاف والتوسل ، والاتصالات الهاتفية ممن يحمون الفساد ويسوّقونه بطرق الترغيب والترهيب ، فان ذلك لا يحمي سمعة الوزير ولا ينقيه من الدنس، ويبقى مطاردا في حياته وبعد مماته بهذه التهم ، وتكمل الصورة داخل المجلس برفع الأيدي و بالأكثرية المزعومة وبالهوبرة وبالعد السريع المفتعل وغير الدقيق ، وصدور القرار بمنع محاكمتهم والتغطية على أفعالهم الجرمية التي يعاقب عليها القانون وينكرها المجتمع!..، فتلك جريمة يرتكبها مجلس النواب بحق الشعب أولا، وبحق الوطن ثانيا ، وبحق أموال الدولة وثرواتها ثالثا !!..ويضيف إلى سجله الحافل بالمخالفات السياسية جرائم قانونية تستوجب المسئولية !..
وقد يقال إن هذا الإجراء وضع كنوع من الضمان و الحماية للوزراء أثناء خدمتهم الفعلية ، بحكم احتمال تعرضهم في مواقعهم للافتراء ، أو لقضايا مفتعلة وخصوم قدماء أو جدد نتيجة عدم تلبية الطلبات غير المحقة !..أو يكون المقصود بها التشويش السياسي أو تسديد حسابات لفريق حكومي على فريق !..خصوصا وان بعضهم يجد متعة ونشوى و نوعا من الوجاهة والظهور في المجتمع إذا ما خاصم وزيرا أو افترى عليه !..
وقد يكون في ذلك بعض الصحة !..
ولكن أفلا يمكن أن توضع نصوص أخرى وضوابط لمعالجة هذا الأمر وتشدد العقوبة على المفتري إذا كان الوزير بريئا؟!.. وتمنح الصلاحيات التحقيقية والاتهام إلى النيابة العامة أيضا بجانب صلاحيات مجلس النواب بالتحقيق ، على أن لا تمنح الحماية أو الحصانة للوزراء بقرار من مجلس النواب إذا رأى المجلس أن أفعال الوزراء لا تشكل جريمة في نظرهم!..سيما ونحن نتجه في الأردن نحو حكومات حزبية يشكلها حزب الأغلبية وحلفاؤه مستقبلا، وهؤلاء قد يتعمدون حماية وزرائهم من المسئولية إذا ارتكبوا أفعالا يعاقب عليها القانون ، أفلا يمكن أن نحتاط إلى ذلك مسبقا ونعدل النص الدستوري النافذ حاليا بما يضمن الوصول إلى الفاعل (المجرم ) أينما كانت وظيفته ومهما علت رتبته ؟ !..
إن النصوص الدستورية النافذة حاليا أسيء استخدامها وتطبيقها أكثر من مرة ،إذ تمنح الحصانة للوزراء وتحميهم من المحاكمة وتمنع النيابة العامة من التحقيق بدون موافقة مجلس النواب ،( وذلك خلافا لما يراه بعض القانونيين في هذا المجال) ، واعتقادي أن تعديل النص الدستوري هو الأولى والذي يقطع الشك باليقين ويوضح الأمور ويزيل اللبس والاختلاف ولا يترك مجالا لتخريجات ولا للاجتهادات المتناقضة ..
لذلك فإنني أرى أن تعديل هذا النص الدستوري بات ضروريا ومطلبا شعبيا بعدما شاهد الشعب التلاعب بمصير ثروته وأمواله ، وحماية الوزراء الفاعلين ومنحهم الحصانة ومنع المحاكمة عنهم ، بعد أن أوصلوا البلد إلى هذا المستوى من الضعف والتراجع والفوضى والمديونية !..
وبهذه المناسبة فأنني اذكر ونحن في بداية الربيع الإسلامي أن القران الكريم والسنة النبوية الشريفة لم تفرق في مجال المسئولية الجزائية بين الأمير والوزير وبين أي فرد من أفراد المجتمع .
وفيما يتعلق بالمسؤولية الوزارية لم يخصها الإسلام بقواعد خاصة وإنما تطبق عليها القواعد العامة للمسئولية الجنائية التي صاغها الفقه الإسلامي من أحكام الشريعة .
لذلك فأنني اقترح تعديل المادة (56) من الدستور لتصبح ثلاث فقرات بدلا من فقرة واحدة
الفقرة الأولى : تمنح الصلاحية لمجلس النواب في الإحالة على أن يحذف منها كلمة (حق ) حتى لا يفهم أن هذا الحق منح على سبيل الحصر لمجلس النواب وحده وليس لغيره ، مما يفتح المجال بإزالتها أمام جهة قضائية أخرى لممارسة هذا الحق إذا امتنع المجلس عن الإدانة أو اصدر صك الغفران !..مع ضرورة تعديل النص النافذ حاليا والذي يشترط الحصول على أغلبية الأعضاء الذي يتألف منهم مجلس النواب ، واستبداله بأغلبية الأعضاء الحضور .
وان تنص الفقرة الثانية :على صلاحية النيابة العامة في التحقيق مع الوزير إذا كانت هناك بينات أو أدلة جدية مؤثرة وليست مفتعلة للتشويه والتشويش !..وللنيابة حفظ القضية إذا لم تكن هناك بينات مؤثرة ومنتجة في الاتهام .
والفقرة الثالثة : تتعلق ببراءة الوزير وعقوبة المخبر المفتري عن جريمة الافتراء، بحيث تعدل نصوص المواد ( 209 و210) من قانون العقوبات لتشدد عقوبة المفتري على الوزير ، مع المحافظة على حقوق الوزير الأدبية والمعنوية تجاه المفتري ، ومع التوصية بتعديل هاتين المادتين من قانون العقوبات لتشديد العقوبة فيهما لاستيعاب التعديل الدستوري المطلوب .
واقترح تعديل النص الدستوري ليصيح كما يلي :
مادة (56) من الدستور:
أ ــ لمجلس النواب إحالة الوزراء إلى النيابة العامة مع ابدأ الأسباب المبررة لذلك ، و يصدر قرار الإحالة بأغلبية الأعضاء الحضور .
ب ــ بالرغم مما ورد في الفقرة السابقة للنيابة العامة ممارسة هذا الدور مع الوزراء إذا كانت هناك بينات وأدلة جدية مؤثرة ومنتجة في الاتهام ، وبخلاف ذلك للنيابة أن تحفظ أوراق القضية .
ج ــ إذا ثبتت براءة الوزير لدى القضاء فيحكم على المفتري بعقوبة الافتراء الواردة في قانون العقوبات بالإضافة إلى الحقوق الشخصية للوزير التي يفرضها القانون .
وهذا الرأي هو إضاءة للمستقبل أو فكرة للمناقشة ، والمناقشة تثري الموضوع وتطوره وتنضجه على نار هادئة حتى يحين موعد الوجبة القادمة من تعديل الدستور لتخرج إلى الحياة وترى النور..وتكون هذه الفكرة من بين تلك التعديلات .. لعل في مشروع هذا التعديل الدستوري محاولة إصلاح ما افسد مجلس النواب من صلاحيات واختصاص !..ولعل فيه بالمستقبل حماية للشعب وأمواله ومصالحه من انحراف المسئولين !..