كلفة حماية الفساد والمفسدين

الفساد تحوٌل من الحالة السليمة المقبولة الى الحالة المرضة القاتلة, وهي في الاطعمة والاشربة كما هي في الاشياء الاخرى كالمعاملات والادارة والضمائر والاخلاق ونحوها
وللفاسد المادي رائحة كريهة يبتعد عنها الاسوياء ويغطون انوفهم لبعض الوقت حتى لو ادى الى حرمانهم من الاوكسجين لفترة من الزمن ويمرون مسرعين بعيدا عن مصدرها , و لايجهلها الا من فقد حاسة الشم اوحرمها
وللفساد مقترنات منها الجيف بكسر اليا , و(النتانة. وكلها تعافها الطباع السليمة ولا تألفها الا الطبائع المنحرفة او البليدة او بعض المخلوقات الدنيئة والدونية كالديدان ونحوها
وهذه الحالة والموقف منها مستخدمة في المعنويات فيقال للذي لايميز بين الحق والباطل او بين العدل والظلم او لايتجنب الاخلاق الدنيئة يقال له :ــ انت لاتشم ؟
في الكتاب العزيز ( واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون الاانهم هم المفسدون ولكن لايشعرون . فالظلم والانحراف والتعدي وسوء المعاملة فســـــــــــــــــــــــــــــــــــاد)
وقال :ـ ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها )
فطرة الانسان كل انسان صالحة ابتداء وبريئة فاما ان تستمر على حالها واما ان تجد من يحرفها فيفسدها , ولذا جاء في الحديث الشريف :ــ يولد المولود على الفطرة فأبواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه ) والمعنى المسكوت عنه هو اويبقى مسلما بالمعنى العام وعلى الفطرة ,( فطرة الله التي فطر الناس عليها )
لكن الفساد ليس مقتصرا على صاحبه انما متعد لغيره ليصبح الفاسد مفسدا لغيره علاوة على فساده بذاته
فالفاحش المتفحش يحب ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا , ويحب ان يصبح المجتمع مستسيغا للفساد محاربا للطهر والعفة حتى لا يعيب عليه احد حتى قال الملأ الفاسد عن لوط عليه السلام ومن معه من القلة التي رفضت الفساد الاخلاقي ( اخــــرجوهم من قريتكم انهم اناس يتطهرون )
وحتى لما اراد فرعون/ زعيم المفسدين في الارض / ان يشوه صورة موسى النبي عليه السلام قال:ـ اني اخاف ان يبدل دينكم او ان يظهر في الارض الفساد .
الا ان الذين يألفون عيش الفساد وما يستلزمه من استبداد لاقناع الناس بجدواه , وتشويه الحقائق وطمسها واخفاء المعلومات حتى لا ينكشف الطابق المستور ليظلوا مستمتعين بمزاياه المفضلة عندهم يخشون الانتقال من العمار الى الخراب فيتشبث الجعل كما تعلمون بمخلفات الادمي ولا يفارقها ظانا انها هي الغنيمة التي ما بعدها كسب
من هنا تجد تفسير الاصرار على الكسب المادي الحرام زهيدا كان او ثمينا , وكذا الحرص على ممارسة الحرام الممنوع الممجوج الفاسد مع وجود البديل او الاصيل المباح النظيف الطاهر نعم انها الطبائع المنحرفة المصرة على ممارسة الرذيلة المنافية للطباع السليمة كحال قوم لوط الذي اضطر الى مخاطبتهم بقوله (هؤلاء بناتي هن اطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي اليس منكم رجل رشيد ؟
اذن فلا غرابة ان ترى الانحياز للفاسدين اليوم , والتنزه في ( مزابلهم) والتمتع بشم روائحهم النتنة , وحمايتهم من الجر خارج المجتمعات النظيفة لئلا يفسدوها , وحتى تعريتهم وكشف مفاسدهم للناس ’علاوة على معاقبتهم ومقاضاتهم بالقانون , لاغرابة فهذه حالة موجودة عند البعض الذي يماثلهم الطبع او يشاركهم اقتسام المنافع الموهومة ومهما تكن الدوافع والمسوغات فقد قال النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم والله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها انما اهلك الذين من قبلكم انه كان اذا سرق فيهم الشريف ( يعني السيد عالي المقام ) تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد .
ان هذه الغضبة المضرية التي نراها اليوم للذود عن حمى المفسدين لحياة الشعوب المستأثرين بمقدراتها المتحكمين برقابها بغير حق والطامسين لابداعات شبابها بسبب الاستعباد والذل تكلف الوطن والمواطنين والامن والاستقرار والنظام والخزينة ولحمة المجتمع وصموده امام عاتيات الزمن وهي كثيرة وكبيرة تكلفهم جميعا ثمنا باهضا
وقد صدق من شبه هذه الحالة بمن يمرض لديه مريض فيعالجه بمعلوماته البدائية بالطب ولم يفلح فيأخذه الى طبيب اعظم مواصفاته الكلفة المتدنية جدا في الوقت الذي كان يهجو فيه هذا الطبيب وينال منه امام الناس ويبقى المريض تزداد حالته سوءا فينتقل الى مستشفى ( اخو البلاش ) ثم اخيرا ولحبه لمريضه الذي ازدادت حالته سوءا يأخذه الى اخصائي مشهور مشهود له ’ واما التكاليف التي دفعها كلها في الرحلة الطويلة الاولى فقد ضاعت هباء منثورا
ان الوصفات ( الشعبية ) !!!! التي يتبعها من يقدمون النصح للنظام اليوم للتعامل مع الحركة الشعبية العامة الساعية لاصلاح النظام ستكون كلفتها عالية جدا ولن تحل المشكلة مطلقا وهي نفقات مهدورة وجهود ضائعة ومردودها عكسي وهي ظاهرة للعيان ورائحتها تزكم انوف الاصحاء الاّ من فقد السمع والبصر وحاسة الشم والذوق ولم يعد من الاحياء
الافكار لا تحارب ولا تقهر بقوة الهراوة والبسطار ولا حتى بالسلاح ولا تواجه الا بافكار اكثر صدقية واقناعا وعلى اصحاب تلك الوصفة ان يواروها والى الابد الم يروا شباب الطفيلة واهاليهم وذويهم ومحبيهم كيف كانوا قبل استخدام الوسيلة المرذولة وبعدها ؟ اليس لديهم وسائل رصد وقياس مبصرة وغير موجهة ؟ واظنهم شاهدوا الصورة واضحة يوم الجمعة
كثرة المقالات واللافتات الملونة والاجتماعات المصنوعاة والتصريحات لن تنقذ الوطن فالعلاج معروف والتجارب البشرية ماثلة للعيان لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد
وفروا الجهد والمال والوقت واختصروا الطريق واسلكوا الجادة فهي خير من الشعاب المضلة والصحاري التائهة والسراب الخادع ولا بد مما ليس منه بد وهكذا الدنيا كلها سائرة نحو التحرر والكرامة الانسانية وسلطة الشعوب والوصول للحالة الديمقراطية وليس هناك طرق اخرى توصل الهدف
نعم لمحاربة الفاسدين والمستبدين ولوضع القاطرة على السكة الصحيحة كلفة ليست قليلة ولكنها اقل بكثير من كلفة المحافظة على هؤلاء المفسدين التي تنهش من سمعة البلد والشعب والنظام والاستقرار والقيم وكل شيْ فهل من معتبر ؟ ( الدستور )