من يعتذر لمن؟

تم نشره الأحد 22nd نيسان / أبريل 2012 04:27 مساءً
من يعتذر لمن؟
خيري منصور

في كتابه القرد العاري والذي قيل عنه بأنه عثر على الحلقة المفقودة في نظرية التطور يفتضح موريس الانسان وهو يحاول استرضاء الأقوى منه أو ولي نعمته، فاذا كان طويل القامة يحدودب كي يبدو أقصر. واذا كان له صوت جهوري يُنعِمُهُ ويجتثه على طريقة ما كان أجدادنا العرب يسمونه «استنوق البعير»، واذا كان ثرثاراً درّب اللسان ليتحول الى نصف أبكم ويتأتىء في النطق، كل ذلك كي يبدو مرضياً عنه وغير مُستفِزٍ لمن هم أقوى منه وأكثر نفوذاً.

ويبدو أن هذه العدوى بلغت كل مناحي حياتنا، فالمثقف يتجاهل ويخفي ثلاثة أرباع ثقافته كي لا يستفز القوي الجاهل.

وعليه ان يعتذر اذا نسي نفسه وقال شيئاً ذا شأن حول قضية تعالج بأساليب أمية وبشكل بدائي.

هكذا اندفع القطيع الى التنافس هذه المرة بشكل معكوس، فالأعلى صوتاً أمام زوجته وأبنائه الذين حولهم المجتمع الباترياركي الى رهائن يصبع الأخفض صوتاً بل الهامس أمام سادته الأقوياء.

وكم كان الشهيد غسان كنفاني رائياً وذا حدس عميق عندما جعل أحد أسباب الموت لمن اختبأوا في الخزان هو استغراق سائقه في روايات متخيلة عن مغامراته الجنسية لحرس الحدود، رغم انه عاجز وعنين، ولم تكن تلك الروايات الا التعويض عن المفقودات شأن كل شيء آخر، فالناس غالباً ما يثرثرون عما ينقصهم ومن يقسم كثيراً بشرفه يشعرنا بأن الشرف ليس غالياً الى الحدّ الذي يستحق الحلفان به ومن يفرط في الحديث عن أي شيء في حياته هو في الحقيقة كاذب، لأن الانسان بفطرته يصون الأشياء التي يحبها ويحاول ابقاءها في منطقة شبه سرية وعالية داخل ذاته.

وأحياناً تشك دوائر الأمن في العالم بأشخاص يبالغون في ادعاء الوطنية، ثم يتضح أنهم عملاء يحاولون اخفاء حقيقتهم بأقنعة مضادة.

اننا نعيش حياة شروطها باهظة، وانقلبت معاييرها بحيث أصبح العارف مطالباً بالاعتذار عما يعرف، والجاهل مزهواً بعدم اضاعة الوقت في أمور تافهة كالقراءة والتفكير والتأمل تماماً كما ان الجواسيس يسخرون من الشهداء وقد يطاردون أراملهم، أو يحولون أيتامهم الى باعة متجولين أو متسولين عند اشارات المرور.

يقول البعض من المتدينين أن ما يحدث هو من علامات القيامة، لكن هناك آخرين يرون أن هذه العلامات تنذر بزمن يصول فيه النذل ويجول شاهراً عورته أمام الملأ، بينما ينسحب الشرفاء الى عزلات بالغة القسوة والدهشة، تماماً كما انسحب الإلة أندرو في الاسطورة اليونانية ليختفي في ساحة زهرة اللوتس هرباً من شيطان بذيء.

في بداية هذه الكوميديا الرملية والرمادية كان الجاهل يشعر بشيء من الخجل ولا يجهر بجهله، وكان الخائن يتستر على بلواه، لكن ما ان هدد الاستثناء القاعدة حتى حدث العكس، فالعارف هو من يتستر على معرفته، والوطني هو الذي يأكل نفسه ويحرق دمه وقد ينزف دمه من عينيه، والصادق هو الضحية التي يسخر منها الاسخريوطي ومسيلما وسائر السلالتين، لأنه لا يعرف مصلحته ولا يعرف من أين تؤكل الاكتاف حتى لو كانت أكتاف موتاه، ولم يبق إلا أن تعتذر الشمس للوطواط والنهر للمستنقع والعذراء للبغيّ!!

(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات