العبرة في تجربة 89
تم نشره الأحد 22nd نيسان / أبريل 2012 02:53 مساءً

جمانة غنيمات
يضغط صندوق النقد الدولي بكل ما أوتي من قوة لفرض أجندته على الحكومة الأردنية، وتحديدا فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية التي تركز على التخلص من دعم السلع، تمهيدا لرفع أسعارها، ولاسيما المشتقات النفطية. البنك الدولي يتحدث بنفس اللغة، ويفرض شروطه على الحكومة لتمكينها من الحصول على التسهيلات المالية المطلوبة من البنك، والتي تناهز قيمتها 500 مليون دولار؛ علما أن اتفاقيات الإقراض بين الأردن والبنك لا تنشر على الموقع الالكتروني للبنك، بخلاف الاتفاقيات مع الدول الأخرى التي يجدها القارئ بالكامل على ذات الموقع. بالمحصلة، الضغوط التي تمارسها المؤسسات الدولية على الأردن هي في سبيل المضي في الإصلاح الاقتصادي، وأساس ذلك التخلص من دعم السلع والخدمات التي تشكل تشوها في الموازنة العامة، وهو ليس الوحيد ايضا. ولغة المؤسسات الدولية لم تختلف كثيرا عن الماضي، فهي ما تزال تركز على التشوهات التي تعاني منها المالية العامة، مسقطة من حساباتها، في المقابل، التشوهات الهيكلية الأخرى التي يعاني منها الاقتصاد وتأثير ذلك على مشكلات اقتصادية ذات طابع اجتماعي مثل الفقر والبطالة، ومثال ذلك سياسات التشغيل وتغيير السياسة الضريبية، كسبيل لتحقيق العدالة في توزيع المكتسبات. مسؤول في البنك يؤكد أن مؤسسته أضافت هذه المرة بندا جديدا للنقاش والتحاور حوله، وهو الإنفاق العسكري الذي يرى البنك أنه سبب رئيس لزيادة فاتورة الرواتب والتقاعد. وسط هذا الجدل بين الأردن والمؤسسات الدولية الأجنبية، تبرز مسألة خضوع الأردن لبرنامج إصلاح اقتصادي جديد برعاية صندوق النقد؛ إذ يؤكد الصندوق أنه قادر على وضعه وتطبيقه ومتابعته، فيما الأردن يفضل الحصول على القروض بدون اشتراطات مسبقة. المشكلة الكبيرة أن الحكومة التي ترفض برنامج الصندوق، لا تبادر إلى وضع برنامج إصلاح وطني طالما طالب به الخبراء المحليون، لنتمكن من تجاوز شروط المؤسسات الدولية، والتخفيف من مشاكلنا الكبيرة في مجال المالية العامة والسياسة المالية المطبقة. وكان الأجدر بالحكومة أن تقدم برنامجا محليا بخبرات وطنية، يغنيها عن وصفات الصندوق ونصائحه ومعاييره التي تخرق استقلالية القرار المالي لدينا، وتثير الرأي العام وتؤلبه ضد المؤسسات الدولية. وكان الأولى أن تدرك الحكومة حتمية الربط بين الإصلاحين السياسي والاقتصادي، وأنهما لا ينفصلان؛ وأن تطبيق خطط الإصلاح الاقتصادي الذي ينطوي على قرارات اقتصادية صعبة وغير شعبية، يحتاج بالضرورة إلى نتاج الإصلاح السياسي، وتحديدا انتخاب مجلس نواب جديد بشرعية حقيقية، يعين الدولة في تمرير برنامجها الإصلاحي. وأغلب الظن أن التقدم والمضي في برنامج إصلاح اقتصادي بشكل منفصل عن مسار الإصلاح السياسي الذي تشي المعلومات باحتمالية تأخر قطف ثماره، لن ينجح، وستواجه قرارات كثيرة بردود الفعل الشعبية الرافضة لبعضها، ولاسيما تلك المتعلقة برفع أسعار السلع، أو إعادة توجيه الدعم لمستحقيه كما تفضل الجهات الرسمية تسميته. أولى التجارب العملية لتنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي تمثلت في رفع أسعار الكهرباء لتخفيف فاتورة الدعم المقدم لهذه الخدمة بعد تفاقم حجمها نتيجة انقطاع الغاز المصري والاعتماد كليا على الوقود الثقيل الذي يكلف الخزينة 5 ملايين دولار يوميا، بقيمة إجمالية تتجاوز مليار دينار سنويا. زيادة أسعار الكهرباء، وردود الفعل حيالها، اضطرت الحكومة إلى التراجع عن قرارها لفترة، وتأجيل تنفيذه مدة شهر، لكن المعطيات تشير الى ان الحكومة بصدد تطبيقه نهاية الشهر الحالي خضوعا لمطالب الصندوق، بدون ان تملك قدرة على تقييم ردود الفعل على قرارها. في الماضي، الصندوق لم يكن صادقا ومراقبا حقيقيا لاداء الاقتصاد، ولذلك تفاجأ بالحال الذي بلغه الأردن، وذلك نتيجة طبيعية للتقييم القائم على مجاملات سطحية لم تدخل في تفاصيل المشهد وتتوقع تراجع مستوى الاداء خلال الزيارت الاعتيادية. حتى نتمكن من تمرير الإصلاح الاقتصادي، لا مفر من الالتزام بالإصلاح السياسي، ولنا في تجربة 1989 عبرة. (الغد)