في هذا يكمن (سِرُّ قوَّته) !

ليس زين العابدين, ولا مبارك, ولا القذافي, ولا صالح; وإنَّما بشار الأسد هو الذي أثبت أنَّ نظام حكمه هو "الأقوى", عربياً, حتى الآن, في الصراع الذي يخوضه من أجل البقاء; وإنِّي لمتأكِّد تماماً أنَّ هذا الأمر الذي يتوفَّر نظام حكم بشار على إثباته, لعلَّه ينجح في إنهاء ثورة شعبه عليه من طريق تيئيس المشاركين فيها, هو سلاحه الأمضى من كل أسلحة الحرب التي استخدمها ويستخدمها في هذا الصراع الضاري والمصيري; ولا ريب في أنَّ ما تبديه القوى الدولية والإقليمية (والعربية) المناوئة له من "عجز" عن "الفعل المضاد" قد ساهم مساهمة كبيرة في إنجاح سعيه هذا.
ولعلَّ خير دليل على ذلك هو قول الولايات المتحدة (للشعب السوري) إنَّ مجلس الأمن الدولي يمكن ألاَّ يُمدِّد مهمَّة "المراقبين الدوليين" بعد انتهائها, أيْ بعد 90 يوماً, إذا ما ظلَّ نظام الحكم السوري غير ملتزمٍ وقف إطلاق النار, وغير ملتزمٍ تنفيذ "خطة عنان" على وجه العموم; وهذا إنَّما يعني أنَّ ما عاناه الشعب السوري قبل مجيء "المراقبين الدوليين" يمكن أنْ (ولا مانع من أنْ) يستمر في وجودهم; فإذا استمر فإنَّ الولايات المتحدة "لن تَقْبَل (هذا الأمر)"; ولسوف تُتَرْجِم "عدم قبولها", بعد 90 يوماً, بـ "عدمِ قبولٍ آخر", هو "عدم قبولها" أنْ يُمدِّد مجلس الأمن الدولي مهمة هؤلاء المراقبين, فنراهم, من ثمَّ, يعودون إلى بلادهم, مُعْلنين فشل مهمَّتِهم; ومع عودتهم نعود إلى "نقطة البداية", أيْ إلى النقطة التي منها انطلقت الجهود الدولية, التي أثمرت "خطة عنان", التي ما كان لها أنْ تُثْمِر إلاَّ إذا استطعنا جَعْل الشَّوْك يُثْمِر عِنَباً!
وهذا "العجز (الدولي والإقليمي)", والذي يكفي أنْ نعلِّله ونُفسِّره حتى يبطل العجب منه, هو الذي أنجب "خطة عنان"; فأنتَ يكفي أنْ تسألهم, الآن, عن سبب موقفهم, الذي يَسُرُّ نظام الحكم السوري, ويغيظ الشعب السوري, حتى يجيبوك على البديهة قائلين: إنَّنا نحرص على عدم إفساد الجهود والمساعي المبذولة من أجل إنجاح "خطة عنان"; لكنَّنا لن نظل على موقفنا هذا بعد انقضاء "المهلة الجديدة الطويلة (90 يوماً)" من غير أنْ يُظْهِر نظام الحكم السوري رغبة صادقة في الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في تلك الخطة!
هُم الآن (في زعمهم) انتصروا لثورة الشعب السوري إذ "أكرهوا" نظام الحكم السوري على قبول نشر مراقبين دوليين في سورية; ولسوف ينتصرون له, مرَّة أخرى, بعد 90 يوماً, من طريق إعادة هؤلاء المراقبين إلى بلادهم, إذا ما تأكَّد فشلهم في تأدية مهمتهم!
"إطلاق النار" الآن لا يختلف عن "إطلاق النار" من قبل إلاَّ في كونه يستمر في وجود اتِّفاق على وقف إطلاق النار; و"العبارة الإعلامية" هي وحدها التي تغيَّرت; فمن قبل كانت "نظام الحكم السوري مستمر في إطلاق النار.."; أمَّا الآن فأصبحت "نظام الحكم السوري مستمر في عدم التزامه وقف إطلاق النار.."; و"النتيجة العملية" هي "عشرات من القتلى يومياً"!
إنَّنا لا ننكر نجاح نظام الحكم السوري في إثبات أنَّه "الأقوى", عربياً, حتى الآن, في الصراع الذي يخوضه من أجل البقاء; لكن يكفي أنْ تَعْرِف "السبب" حتى تَجِد نفسكَ مضطَّراً إلى الاعتراف بأنَّ لدى الشعب السوري من الحقِّ في التغيير, ومن الحاجة إلى التغيير, ما يجعله الأجدر, عربياً, بـ "الثورة" و"الربيع"; فإنَّ أيَّ نظام حكم في العالم, لا بل في التاريخ, يصارِع من أجل البقاء كما (أيْ في طرائق وأساليب ووسائل وأدوات) يصارع نظام حكم بشار لا يمكن إلاَّ أنْ يكون خير دليل على أنَّ شعبه يحتاج إلى ثورة, تَعْدِل, في وزنها وحجمها, عَشْر ثورات من نمط "الثورة الفرنسية".
هذا "الصمود (الأسطوري)" لنظام الحكم السوري, والذي يتباهى به المنافحون عنه, لا يُفسَّر كما يُفسِّرونه إلاَّ بـ "إلغاء العقل"; فإنَّ مزاعم من قبيل "رضا غالبية الشعب عنه", و"بسالته القومية", و"صلابته في مقاومة أعداء الأمة", لا تَصْلُح تعليلاً أو تفسيراً.
إذا أرَدْنا لـ "العقل" أنْ يَحْكُم ويقود فليس من تعليل أو تفسير صالح إلاَّ "الانفصال التام" لنظام الحكم هذا عن الشعب والمجتمع. إنَّه منفصلٌ في حِصْن حصين عن الشعب والمجتمع; وكأنَّه جماعة (ضئيلة) من المدجَّجين بالسلاح, المتعصِّبين لبعضهم بعضاً, لا يعيشون إلاَّ في الحرب, وبالحرب, إمَّا أنْ يبقوا معاً وإمَّا أنْ يهلكوا معاً; ولا خيار لديهم, من ثمَّ, وإذا ما جاز أنْ يُسمَّى هذا الأمر "خياراً", إلاَّ "البقاء", ولو كان بقاءً لا يبقي على "الدولة" و"الوطن" و"الشعب".
في هذا, وفيه فحسب, يكمن "سِرُّ قوَّة" نظام حكم بشار; وهذه "القوَّة" هي "الضَّعْف بعينه"; وإنَّ أي نظام حكم يبقى, ويصارع من أجل البقاء, في هذه الطريقة لا يمكن أنْ يظل محتَفِظاً ولو بنزرٍ من معنى "نظام الحكم"; فهو يمكن أنْ يكون أي شيء إلاَّ "نظام حكم".
ولو كان فيه شيءٌ من معاني وخصائص "نظام الحكم" لعَمِلَ بنصيحة نابليون والتي خاطبه فيها قائلاً: إنَّكَ تستطيع فِعْل كل شيء بالحراب عدا الجلوس عليها !. ( العرب اليوم )