تبدل الرئيس
لا يعرف العالم بأسره دولة تشهد تغيير حكومات كما هو موجود في الأردن، وليس هناك من شعب في العالم من بين أبنائه من يحملون كلمة معالي بقدر ما هو متوفر لدى الشعب الأردني، وليست بدعة جديدة في الأردن ولا في غيره من البلدان أن يستقيل أو يقال رئيس حكومة، لأن المرحلة تقتضي غير ذلك، ألم نشهد في الأردن أكثر من مرة إقالة حكومات لتحسين علاقات مع دول الجوار، أو لأية أسباب أخرى...
إذاً لما كل هذا الصخب والهجوم الشرس على شخصية محترمة مثل رئيس الوزراء المستقيل " عون الخصاونة "، وهل يفترض في كل شخصية ناجحة في مكانٍ ما أو مهمة ما أن تكون ناجحة في كل المواقع، هل سمعتم أو رأيتم شخصية وزير أو رئيس وزراء بمواصفات "باباي آكل السبانخ " أو بمواصفات "طرزان " يستطيع أن يفعل كل شيء في كل لحظة.
القاصي والداني يعلم أن "عون الخصاونة " استقال من منصبه لظروف وملابسات عديدة، وكل المواقع الإلكترونية والتقليدية المطلعة تعلم أن استقالته كانت مكتوبة قبل أن يذهب بمهمة رسمية إلى تركيا، ولم تكن مفاجأة للكثير من الناس، فعدم الانسجام لم يكن جديداً ولا هو وليد الساعة.
إن ما يؤلم حقاً أن يتحول المشهد كما في المسارح والسينمات مجرد تغيير إشارة المخرج (مشهد2 ، لقطة 7 حكومات -Action) تتغير المواقف إلى الاتجاه المعاكس تماماً. وكأن الرجل "عون الخصاونة " هو الذي جاء بالفساد ورسخ جذور المفسدين. وكأن سرقات المال العام، لم تحدث في الأردن الا منذ اكتوبر الماضي فقط. وكأن العنجهيات والمظاهرات الجوفاء في كثير من الأحيان خرجت بإيعاز منه وأنه مولها من جيبه الخاص، وباع أراضيه في النعيمة واربد لتمويلها، وكأنها ليست في كثير منها ممول من أجندات خارجية، ودول لا ترتضي الاستقرار للأردن.
تكتب بعض المواقع لتعبر عن شخصية كتابها وأربابها بأن "عون الخصاونة " سيظهر في صفوف المعارضة، ويقود التظاهرات والمظاهرات، يكتبون بسخافة وإسفاف، لأن الحرية لا تليق بهم، وأن المواقع الإلكترونية وجدت منبراً لقول الحق ... لتنجو من سطوة الرقيب الذي طال مقصه الكثير من كلمات الحق في الصحافة المطبوعة؛ لكن بعضها أصبح أداة حمقاء يديرها مجموعة من الأغبياء أو المأجورين المأفونين الحاقدين على هذا البلد وأهله.
تحول الرجل "عون الخصاونة " في عرف البعض إلى كتلة من الغباء والبلادة، ونسوا أو تناسوا أو هم فعلاً جاهلون بالرجل وعلمه وفضله، أن العالم كل العالم كان يرضى بحكمه وهو نائب رئيس محكمة العدل العليا. وهذا يجعلنا نتسائل أسئلة كبيرة، هل كان خطأً أن تم اختياره رئيساً للديوان الملكي في عهد المغفور له باذن الله الملك حسين، أم أن الخطأ كان بتعيينه رئيساً للوزراء في عهد جلالة الملك عبدالله بن الحسين.
وهل يعني وقوع الرجل بخطأ أو هفوة أو تقصير – هذا لو حصل – يلغي تاريخه المجيد، ويجعل بعض الرويبضة يتطاولون عليه ويؤلفون القصص والحكايات، ويتهمونه بالهروب من البلد وأنه قدم اللجوء السياسي لدولة أخرى وهو رئيس وزراء خارج بمهمة رسمية ويمثل الأردن ويقابل كبار مسؤولي الدولة في تركيا.
ومن سخف بعض المعلقين أنهم أصبحوا أكثر من سحيجة، لأن السحيج في الدبكة له دور ربما يحتاجه أهل الفرح لتطول عندهم السهرة، لكن بعض المعلقين صاروا مثل يلي حامل بشكير بس مهمته تجفيف عرق السحيجة حتى ما تبرط السحجة.
هل يحتاج "عون الخصاونة " سيارة الرئاسة ليركبها أم يا ترى هي المرة الأولى التي يركب فيها سيارة، لينطلق بعض الناعقين بمطالبته بتلسيم السيارات والعهدة التي لديه لأن الرئيس الجديد المكلف لا وقت لديه للانتظار حتى يتسلم العهدة والسيارة، ويمكن واحد من السحيجة يمد يده على جيبة "عون الخصاونة " ويقول هذا قلم الحكومة ليش حاطه بجيبتك. علماً بأنه ربما لا يوجد رئيس وزراء سابق عنده أموال وأطيان وأملاك من حر ماله ومال أبيه أكثر مما عند "عون الخصاونة " فهل هذا هو المستوى الثقافي للشعب الأردني. يجب أن يرتقي المعلقون إلى مستوى الخطاب، وإلى مستوى المرحلة الحرجة التي يمر بها الأردن.
وكذلك كأن فايز الطراونة الرئيس الجديد للحكومة راكب على جمل وصار على الطريق الصحراوي بالقطرانة مقطوع وبنتظر بالسيارة حتى يسلمها "عون الخصاونة "، وما عنده شيء يوصل فيها الرئاسة، أو كأنه شخص لم يعرف العز والجاه من قبل؟ وهو أكبر من كل المعلقين وتعليقاتهم التي لا تعكس إلا شخصياتهم، وأظن الرئيس الجديد وبكل تأكيد لا يرتضي التعليقات وهي لا تعبر عنه.
حرام على مواقعنا الإلكترونية أن تنحدر إلى هذا المستوى الهابط من النشر والتعليقات، بئست الحرية إن كانت كهذه؛ بئست الحرية أن تترك المساحات لكل ناعق على من لا يرتقي ولن يرتقي إلى مستواهم أن يكتب بحق الناس المشهود لهم علمياً وعالمياً، بأنه طلب اللجو وهرب أو تهرب. أؤلئك أناس ألفوا الذل وتربوا عليه ولا يمكن أن يتصورا يوماً أن يتخذ الرجل قراراً بنفسه، مهما كانت تبعاته.
نحن ننتظر القادم الجديد ليخلصنا مما نحن فيه من مآزق سياسية وثورات شعبية ومظاهرات جوفاء في كثير منها، وأصحاب المواقع أنفسهم يكتبون عن الرئيس الجديد وهي مواقع أردنية يكتبون تعليقات بأنه مثل محلول الأكواسال، لا يضر ولا ينفع، فماذا تنتظرون، ولماذا تكيلون كل هذا الحقد لرجل إن كان محسناً فقد سجل التاريخ له ما فعل، وإن كان مسيئاً فقد أراحنا الله وذهب بحال سبيله، وكلكم تعلمون أن 6 اشهر من عمر الحكومة لم تقصم ظهر بعيرنا الهالك منذ عقود.