1 أيار لا 29 نيسان!

الأوَّل من أيَّار, هو بالنسبة إليَّ شيء من الماضي, وإنْ ما زال فيه ظِلالٌ مِنْ معانٍ وقيم وآمال تحضُّ الغالبية العظمى من البشر على جعل "نسبة المستقبل" فيه تفوق كثيراً "نسبة الماضي"; وأحسب أنَّ هذا الحضُّ, أو التحريض, يلقى مساندة متزايدة من "الحاضر" حيث عواقب "العولمة" تقرع ناقوس الخطر; فقد صَدَقت نبوءة ذلك الذي قال: "إمَّا أنْ تتخطَّى البشرية الرأسمالية وإمَّا أنْ تعود إلى الوحشية".
ويكفي أنْ يتغيَّر العالم في طريقة تسمح للرأسمالية, التي تتركَّز شرورها في الولايات المتحدة, أي في الدولة الإمبريالية العظمى في العالم, بأنْ تتفلَّت من كل قيودها, وبأنْ تتفلَّت, من ثمَّ, على كل مَنْ يبدي مقاوَمة لها, حتى تُسْرِع البشرية في العودة إلى الوحشية, في أهداف وأساليب ووسائل الصراع والسيطرة والسيادة.
الرأسمالية, في وجودها ودورها التاريخيين, لم تكن "شرَّاً خالصاً"; لأنَّ "الشرَّ الخالص" لا وجود له..
لقد عرفت الرأسمالية كيف تصنع من آلام ومآسي الغالبية العظمى من البشر حضارة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً في عظمتها. وهذه "الحضارة العظمى" أدعوها "الحضارة الموضوعية"; لأنَّ كل رأسمالي ما كان في مقدوره أنْ يعمل بما يتَّفِق مع مصلحته الشخصية والطبقية من دون أنْ يتمخَّض عن عمله شيء من النفع الحضاري العام.
وهذا النظام ما زال, على الرغم من كل شروره, التي تعظُمُ, كمَّاً ونوعاً, كل يوم, يتحدَّى كل خصومه ومعارضيه على الإتيان بالأفضل منه, أي بنظام يذهب بالرأسمالية وشرورها; لكن من دون أنْ يقوِّض منجزاتها التاريخية في الاقتصاد والسياسة والثقافة.. فهذا "النظام الأفضل", الذي ما زال حتى الآن كامناً في الحاجات التاريخية الأساسية للبشر, إنَّما هو النظام الذي, في قوَّته السلبية, يذهب بالرأسمالية وشرورها, وفي قوَّته الإيجابية, يحافظ على منجزاتها التاريخية ويضيف إليها من المنجزات التاريخية ما يؤكِّد تفوُّقه وحيويته وديناميَّته.
ولا ريب في أنَّ الرأسمالية قد استمدَّت مزيداً من "القوَّة التاريخية" مِنْ بؤس "النظام السوفييتي", الذي حارب الرأسمالية في طريقة هيَّأت لها كل أسباب هذا "الانتصار التاريخي", الذي عاد على البشرية بهذه الوحشية للقوَّة الإمبريالية العظمى في العالم.
هذا البناء انهار كما انهار "سدُّ مأرب" ب¯ "قوَّة فأرٍ"; لكنَّ "المُثُل", و"القيم", والمبادئ", و"الأحلام", نَجَتْ; لأنَّ جذورها كانت, وظلَّت, ضاربةً في العمق من الحاجات الإنسانية, ولم تكن جزءاً مِنْ حجارته ومِنْ بُناته ومهندسيه وحرَّاسه.
لقد شنُّوا حرباً صليبية لا هوادة فيها على "المبدأ الأوَّل" ل¯ "الأوَّل من أيَّار", وهو مبدأ "الوحدة والانقسام" في معناهما الحضاري والإنساني والديمقراطي, فمصلحتهم جعلتهم في عداء شديد لكل شيء في الفكر أو الممارَسة يمكن أنْ يفضي إلى أنْ ينقسم البشر, على الصعيدين القومي والعالمي, انقساماً من النمط الطبقي, فيتَّحِد كل عمال العالم ضد كل رأسمالييه; وقد بثُّوا كل "انقسام غير حضاري" لمنع تطور واستفحال هذا "الانقسام الحضاري"; حتى "الأوَّل من أيار" ما عاد "الأوَّل من أيار"; فها هم يجعلونه "التاسع والعشرين من نيسان"!
وما أنْ نجحوا في ذلك حتى شرعوا يوحِّدون البشر ويُقسِّمونهم بما يتَّفق مع مصالحهم الفئوية الضيِّقة, فعلى المستوى العالمي اخترعوا عقيدة "صراع الحضارات", الذي غرسوه في تربة "الصراع الديني"; فمِنْ تدميرهم لعقيدة "حرب طبقة ضد طبقة" ابتنوا عقيدة "حرب الكل ضد الكل". ( العرب اليوم )