عن الحرب الأهلية والتفخيخ والتفجير في سوريا

تم نشره الإثنين 30 نيسان / أبريل 2012 03:45 صباحاً
عن الحرب الأهلية والتفخيخ والتفجير في سوريا
ياسر الزعاترة

تتوالى التقارير القادمة من سوريا حول الميل للعنف وربما التطرف في أوساط قطاع من الشباب السوري على خلفية استمرار عمليات القتل اليومية من قبل النظام وعدم توفر أفق واضح لإسقاطه عبر المسار السلمي، أو حتى التعويل على الجيش السوري الحر الذي لا يمكن القول إنه قادر في الأفق المنظور على التصدي لجيش النظام وأجهزة أمنه وشبيحته في ظل دعم إيراني قوي تسليحا وتخطيطا، وفي ظل محدودية الدعم الخارجي للخيار العسكري.

بعد أكثر من 11 ألف شهيد يمكن القول إن العودة إلى الوراء وقبول الناس بحكم بشار الأسد صار جزءا من الماضي، في ذات الوقت الذي يمكن القول إن الانتصار السريع بالأدوات المتاحة ليس سهلا بحال من الأحوال، لاسيما أن الخيار الواضح للقوى الغربية لا زال محصورا في استمرار الضغوط وإطالة أمد المعركة لما يعنيه ذلك من راحة للكيان الصهيوني الذي لا يريد حسم المعركة قبل أن ينهك الطرفان وتغدو الحالة الجديدة في سوريا غير قادرة على النهوض خلال عقود، مع مساهمة ذلك في تحجيم نفوذ إيران، وربما استهداف منشآتها النووية استغلالا لعزلتها العربية والإسلامية، فضلا عن حقيقة أن الجبهة السورية المفتوحة هي جزء من لعبة الاستنزاف للاقتصاد الإيراني المتعب تبعا لما تدفعه طهران من كلف باهظة في المعركة.

الصحفيون الأجانب الذي يتوغلون في عمق مناطق الثورة السورية ينقلون مثل هذه الانطباعات شبه اليائسة في أوساط الثوار، أعني اليأس من إمكانية الانتصار بالأدوات المتاحة، مع يأس مقابل من مدد خارجي يحسمها في زمن سريع.

والحال أن المعركة بالنسبة لجحافل من أولئك الشبان قد غدت معركة حياة أو موت، لأن وقفها قبل الانتصار سيعني نهايتهم كأناس خرجوا على النظام وبعضهم حمل السلاح ضده، ولا مناص تبعا لذلك من المضي فيها حتى النهاية.

هنا ينهض الدين كعامل حيوي في الصراع، فمن يحمل روحه على كفه لا يجد غير منطق الجهاد والاستشهاد سبيلا، فيما يوفر له خطاب الفرز المذهبي، وقبله خطاب الخروج على حاكم مجرم ولغ في دماء الشعب، يوفر له مددا روحيا ومعنويا كبيرا، وربما دفعه نحو أقصى درجات التطرف والعنف، هو الذي يشاهد ما يفعله أزلام النظام وشبيحته بالمناطق التي يجتاحونها، وما يرتكبونه من جرائم تستفز المشاعر الإنسانية والدينية في الآن نفسه.

هنا يبدو السيناريو العراقي برسم التكرار، فهؤلاء الشبان تأخذهم مشاعر الانتقام بروحية جهادية نحو أية أعمال تثخن في النظام وتنتقم ممن يتعاونون معه، حتى لو كانوا من أهل السنة، فضلا عن أن يكونوا من الطائفة العلوية المندمجة في المعركة بكل ما أوتيت من قوة.

وكما وجد العراقيون الغاضبون من العرب السنة في جماعة التوحيد والجهاد بقيادة الزرقاوي (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين لاحقا) ملاذا لتحقيق مشاعر الانتقام من الأمريكان وممن أذلوهم، وأمعنوا فيهم إقصاءً وتهميشا بوصفهم من أزلام النظام السابق (السني بالطبع بحسب التصنيف إياه)، سيجد بعض الشبان السوريين في المجموعات القادمة من الخارج ملاذا أكثر يشبع غريزة الانتقام أكثر من حكاية الجيش السوري الحر المفكك، والمخترق من قبل النظام.

وفي ظل غياب التسليح القادر على موازنة القوة التي يتمتع بها النظام، سيكون مسار التفخيخ والتفجير هو المتاح، وهنا تنهض بعض الخبرات القادمة من الخارج والتي تلتحم بالشبان الموجودين في الداخل والمدججين بمشاعر الغضب والانتقام، لاسيما أولئك الذين فقدوا أحبة لهم في المعركة.

حتى الآن، يصعب القول إن المجموعات المسلحة التي تتبنى نهج التفخيخ والتفجير قد بدأت نشاطا قويا في الداخل السوري (أصابع النظام تبدو واضحة في بعض التفجيرات، أكان مباشرة أم من خلال الاختراق)، لكن الأمر لن يتواصل على هذه الحال، وبتدفق المزيد من الخبرات المطلوبة من الخارج، بخاصة من العراق ولبنان، سيتطور المشهد بالتدريج وصولا إلى معركة طاحنة بين الطرفين لن يحكمها العقل في كثير من الأحيان.

لا شك أن الاستجابة لخطة أنان هي الأفضل في الوقت الراهن رغم عدم توقف آلة القتل، ومعها استمرار النشاط الشعبي على نحو يفضح جرائم النظام أكثر فأكثر أمام المجتمع الدولي، مع الإعداد للمرحلة التالية عبر استمرار التسليح والإعداد، ولن يتم ذلك من دون مدد خارجي قوي لا بد أن تتولاه تركيا وبعض الدول العربية المتحمسة للمعركة.

من الأفضل خلال هذه المرحلة أن يبادر رجال الثورة في الداخل إلى تشجيع الناس على الخروج إلى الشوارع، بخاصة في المناطق التي يتواجد فيها المراقبون، لاسيما بعد زيادة عددهم، وذلك كي يثبتوا للعالم أجمع أن الثورة ليست معزولة، بل هي ثورة غالبية الشعب ضد نظام البطش والإجرام.

هي معركة طويلة وقاسية فرضت على هذا الشعب الأبي، ولا مناص من خوضها حتى الرمق الأخير، مع الثقة الكاملة بالانتصار مهما طال الزمن وعظمت التضحيات.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات