مذهبيّون لا مقاومون

أسقطت الثورة السورية أقنعة الزيف عن كثير من “المقاومين والممانعين” العرب، ومن ضمنهم فلسطينيون وأردنيون...هؤلاء الذي أمطرونا بوابل من الهتافات والاتهامات والشعارات الجوفاء، التي لم تبق عنصراً أو مكوناً من مكونات “الممانعة والمقاومة”، إلا ورفعته إلى أعلى ذرى المجد والبطولة...هؤلاء انقلبوا اليوم رأساً على عقب، على كل ما طبلوا له وزمّروا طيلة سنوات.
النظام السوري الذي اعتاد أن يجمعهم في الطابور الصباحي مصفقين وهتّافين، بات نظاماً “علوياً شيعياً مجرماً”....لم يعد رمزاً من رموز “المقاومة والممانعة” يستحق التصفيق حتى وهو يطلق الشتائم على دولنا وأنظمتنا فرادى وجماعات...ومعايير الوطنية والقومية “والبقاء في الملّة” عند هؤلاء اليوم، هو تكفير هذا النظام وتجريمه...
إيران، التي كانت المصدر الرئيس لتسليح وتمويل “المقاومة”، ومشروع الحليف الاستراتيجي في المعركة مع الغرب والاستكبار العالمي، إيران التي كانت قبلة هؤلاء ومحجهم، أصبحت دولة المذهب، وخطرها يتعدى كل الحدود، ويمكن الائتلاف مع كل شياطين الأرض لوقف تمددها وتحجيم نفوذها.
حزب الله، الذي سطّر بحق، أروع ملاحم الصمود والبطولة في التصدي للغزو الإسرائيلي للبنان، وأمطرنا القوم بقصائد المديح والثناء على تضحياته وجسارته (وهو يستحقها بالطبع)، تحوّل اليوم، إلى ميليشيا أسدية، وتحوّل شيخ المقاومين وسيدهم إلى “سُبة” تلهج بها ألسنتهم، و”شبيح” ملحق بالكتائب الأسدية...هكذا بكل بساطة، يلعق القوم مواقفهم السابقة.
روسيا والصين، اللتان روّج لهما هؤلاء، على أنهما فرسا الرهان للخروج من القطبية الأحادية وكسر الهيمنة الأمريكية، باتتا شراً مستيطراً، وخطاب “أصحابنا اليوم” حول هاتين الدولتين لا يختلف عن خطاب أسلافهم زمن الحرب الباردة وصعود المعسكر الشيوعي الذي نظر إليهما كخطر ماحق، يملي التحالف مع واشنطن وجميع عملائها وأجهزة استخباراتها في المنطقة، وهذا ما فعلوه على أية حال.
هؤلاء ليسوا مقاومين ولا ممانعين...هؤلاء طائفيين ومذهبيين....هم مقاومون إن كانت المقاومة في خدمة “أهل السنة والجماعة” و”الغالبية السنيّة”، وهو تابعون وأدوات في يد عواصم الخليج والغرب والاستكبار، إن كان في ذلك فرصة للوصول إلى سلطة، أو الاقتراب منها....كل شيء قابل للمقايضة والمساومة، بما في ذلك، “أرض الوقف” و”التحرير الكامل”، هذه موضوعات يمكن تأجيلها لأجيال قادمة، إن كان الاستمساك بها، قد يعطل وصول “أحزاب الحاكمية” للسلطة أو الاقتراب منها.
كل شيء جائز، بما في ذلك الانقضاض على أصدقاء الأمس وحلفائه....تعهيرهم وشيطنتهم...إسقاط مفردات “المقاومة والممانعة” واستبدالها بعبارات العتب على واشنطن التي لم تحزم أمرها وتتدخل عسكرياً لمساعدة “أهل السنة” في سوريا...والغضب من الدول العرب “السنيّة بالطبع” التي لم تسيّر الجيوش لتحرير دمشق من “حكم الأقلية العلوية”....ليذهب إلى الجحيم كل حديث عن المقاومة...لا صوت يعلو عند هؤلاء على صوت “السلطة السنيّة” والشهية النهمة المفتوحة عليها.
ببساطة يمكن أن يستبدلوا الدوحة بدمشق، وحسن نصر الله بالسنيورة أو الحريري أو حتى سمير جعجع، والمقاومة العراقية بالبارازاني والهاشمي، وواشنطن بموسكو...المؤكد أنهم ينتظرون بفارغ الصبر إعادة إنتخاب ساركوزي، خشية أن تتراخى القبضة الأطلسية لفرنسا...لقد انقلب هؤلاء على كل ما بشّروا به وروّجوا له...هؤلاء ليسوا مقاومين...المقاومة التي التحقوا بها بعد أكثر من عشرين عاماً على انطلاقتها الأولى، كانت وسيلة لحشد الشعبية وتعزيز النفوذ وتمهيد طريق السلطة...ولتذهب المقاومة للجحيم، إن كان التمسك بها، يمكن أن يؤجل زحف “أهل السنة” إلى الحكم في العالم العربي عموماً وسوريا بخاصة...مذهبيتهم طفت على الساحة، ورائحتها الكريهة طافت الآفاق.