قتل عابر غير ضروري!
رغم أنّ القصة تفضح الوجه الحقيقي للاحتلال، وتوضح حجم الرعب الذي يحتمله الفلسطينيون، ولو أنّ أمراً عربيا مشابها وقع ضد إسرائيليين، لتحول إلى فضيحة ثقافية وحضارية كبرى، إلا أن خبر القتل غير الضروري الذي تناقلته الصحف الإسرائيلية والعربية، دخل الأرشيف ولم يحظ بتفاعل كافٍ. سمّت صحيفة "هآرتس" القصة: "قتل غير ضروري". ولا أعلم هل امتنعت الصحيفة عن استخدام لفظ "جريمة" لأسباب قانونية أم سياسية! تخص القصة مجموعة من وحدة المستعربين الصهيونية الشهيرة "دوفيدافان"، التي يتنكر أفرادها على هيئة عرب، لاختراق المناطق العربية، واغتيال أو اعتقال أهداف مهمة في المقاومة.نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" نسخة أولى للقصة في 27 آذار الماضي، تقول "إنّ فلسطينيين أفسدوا مهمة لجيش الدفاع الإسرائيلي"، وإنّهم طعنوا بشكل طفيف جنديا إسرائيليا، وإنّ الجيش "رد" بإطلاق النار عليهم وجرح ثلاثة، وإنّهم عُولجوا في الموقع، ثم نقلوا إلى مستشفى "داخل إسرائيل"، ناسبةً القصة إلى "راديو جيش الدفاع الإسرائيلي". لكن منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية وصحيفة هآرتس، كشفتا قبل أيّام حقيقة ما حدث. إذ إنّ أحد سكان قرية رمون، من عائلة "شوخة"، فوجئ بشخصين في محيط بيته ليلا، فأيقظ شقيقيه وطلبوا من الغريبَين التعريف بنفسيهما، معتقدين أنّهما لصّان، وحاولوا مطاردتهما بالسكاكين والعصي. ولكن الغريبين (المستعربين) أطلقا الرصاص عليهم، فأُصيبوا، وسرعان ما انضم إلى المستعربين عدد كبير من الجنود. وحتى اللحظة لم يعرف الأشقاء ما الذي يحدث، فيقول أحدهم: "شعرت براحة بمجيء الجنود، واعتقدت أنهم سيردعون المهاجمين بغض النظر عن هويتهما. وبدأت إخبارهم أنّ لصوصاً أطلقوا النار علينا، وأني مصاب في بطني، وحاولت رفع قميصي ليروا الجرح، فأطلق جندي على بطني رصاصة ثالثة". وكان مجموع الرصاصات التي أصابت الأشقاء 11 طلقة، بعضها بعد سقوطهم أرضا. وركل أحد الجنود أحدهم على رأسه. وبحسب الأشقاء (كما في هآرتس) قد تركوهم ينزفون نحو ساعة بدون إسعاف، وزوجاتهم وعائلاتهم يراقبون النزف برعب، فيما عشرات الجنود يعيثون رُعبا في البيت (كما في تقرير لتلفزيون الأقصى). واستشهد أحدهم في المستشفى صباح 2 نيسان الماضي. أعلن الجيش الصهيوني في البداية أنّ "إرهابيين" هاجموا الجنود أثناء مهمة، قبل أن تكشف "بيتسيلم" القصة. كما تبيّن أنّ لا نشاط سياسيا للأشقاء، أو على حد تعبير هآرتس "ملتزمون بالقانون ولم يسبق أن تورطوا بمشكلات"، أي أنّهم ليسوا مطلوبين. والأنكى أنّه اتضح أن تواجد الجنود كان لمجرد التدريب، وليس مهمة. وبحسب الاشقاء، لو أنّ الجنود أعلنوا هويتهم لتوقفوا عن مطارتهم. كذلك، أثبتت الوقائع أنّ إطلاق الرصاص لم يكن بغرض الإعاقة، فقد أُطلق على الجانب العلوي من الجسد. تكشف القصة العقلية الإجرامية والعنصرية التي تحكم بشكل متزايد عناصر الجيش الصهيوني في فلسطين. وتكشف شبكة التواطؤ داخل الجيش؛ فقد رفض القائمون على الأمر أي تحقيق حتى انكشافه. وحتى بعد إعلان إجراء تحقيق، تقول هآرتس، إنّ الشقيقين الأحياء أطلق سراحهما بعد العلاج، بدون أن توجه لهما تهم، ولكن بدون أن يطلب أي محقق أقوالهما، أي أن القتل مجاني ومستمر.ليس مهما أن نكتشف هذه العقلية الإجرامية، فهي معروفة.. ولكن السؤال: أين جمعيات وهيئات حقوق الإنسان الفلسطينية والعربية؟ ولماذا تعجز الآلة الإعلامية الفلسطينية والعربية والرسمية إلى هذا الحد عن التعامل مع فضيحة من هذا النوع؟! بالنسبة لهآرتس هو "قتل غير ضروري". في الحقيقة، يبدو موت الفلسطيني في المشهد الراهن، أيضا، عابرا وغير مهم.لقد أدى الانقسام الداخلي، والممارسات القمعية في الضفة الغربية وغزة، مضافا إلى ذلك اهتمام كثير من الجمعيات والمؤسسات العاملة في موضوع حقوق الإنسان، إلى التركيز أكثر وأكثر على انتهاكات الفلسطينيين ضد بعضهم. وبالتالي، يتحمل أولا من يقوم على الانقسام والقمع الداخلي مسؤولية انحراف الانتباه عن الاحتلال الإسرائيلي، حيث أصبح تصيد الانتهاكات الداخلية والمتبادلة هو الأساس. وثانيا، لا بد من إعادة النظر في أولويات وطرق عمل هيئات حقوق الإنسان، وتحديدا المرتبطة بالتمويل الخارجي.