الاسلاميون و الحكومة...قطيعة متبادلة

ليس من الصعب التنبؤ بطبيعة العلاقة بين حكومة فايز الطراونة والحركة الإسلامية. فمنذ لحظة التكليف، كان رد الفعل من قبل الإسلاميين سلبيا، والطراونة من جانبه لم يبعث بأي إشارة إيجابية تجاههم، انسجاما مع موقفه التقليدي من دور الإسلاميين في الحياة السياسية.تصريحاته حول الصوت الواحد، وتشكيلة حكومته، كانت بالنسبة للإسلاميين بمثابة دليل إضافي على صواب موقفهم المبكر من حكومة الطراونة. ولقطع الطريق على أي محاولة للاتصال مع قادة الحركة، بادر نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، وفي أول تصريح له بعد انتخابه، إلى القول: "ليس لدى الحركة وقت لتضيعه في الحوار مع الحكومة".يقول مراقبون إن موقف الإسلاميين الحاد من حكومة الطراونة لا يمكن تبريره بالعداء المستحكم بين الطرفين؛ فقد تعامل الإسلاميون في السابق مع حكومات ناصبتهم العداء أكثر من حكومة الطراونة التي لم تبدأ مهمتها بعد، وإنما يأتي انتصارا لرئيس الوزراء المستقيل عون الخصاونة، الذي أظهر مودة كبيرة للحركة الإسلامية، وحاول جاهدا التفاهم معها على قواعد جديدة تضمن انخراطها في الحياة السياسية والمشاركة في الانتخابات المزمعة قبل نهاية العام.لكن الإسلاميين لم يستثمروا موقف الخصاونة، لا بل إنهم ساهموا -بموقفهم المتشدد من قانون الانتخاب المقترح- في إضعاف حكومته.الطراونة مختلف تماما عن الخصاونة، ولن يكون سخيا وكريما مع الإسلاميين مثل سلفه. ولتجنب أي حوار أو مساومات حول قانون الانتخاب مع الإسلاميين وغيرهم من الأطراف، أعلن مبكرا أن مجلس النواب هو صاحب الولاية على القانون، وأن من لديه اقتراحا عليه التوجه إلى النواب.والإسلاميون كانوا أعلنوا في وقت سابق أنهم غير مستعدين للحوار مع مجلس لا يعترفون بشرعيته، ورفضوا دعوة اللجنة القانونية في المجلس للقاء حول القانون.وبموقفهم الأخير من حكومة الطراونة، يكون الإسلاميون قد سدوا نوافذ الحوار مع السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأعلنوا صراحة أنهم لن يقبلوا الجلوس إلا مع رأس الدولة.حالة الاستعصاء هذه ضارة بكل الأطراف، وبعملية الإصلاح السياسي؛ فليس من مصلحة الدولة مقاطعة الإسلاميين للانتخابات المقبلة، وينبغي البحث عن ثغرة للحوار في جدار القطيعة الذي يرتسم بين الطرفين.حكومة الطراونة عليها أن تتجاوز حالة العداء للإسلاميين، وأن تدرك المتغيرات التي حملها الربيع العربي والمخاطر المترتبة على إقصاء طرف رئيسي من اللعبة السياسية.وعلى الإسلاميين، في المقابل، أن يغلّبوا المصلحة الوطنية على المصالح والحسابات الخاصة، فهم لن يخسروا شيئا إذا ما جلسوا مع الحكومة أو النواب.(الغد)