انتحـار مبكر لحكومة الطراونة!!!
انتحرت حكومة سمير الرفاعي الثانية عندما بحثت عن ثقة غير مسبوقة في تاريخ الأردن بفريق لم يكن مؤهلاً لقيادة جمعية خيرية مما أجج الشارع الذي أسقط الحكومة قبل الأربعين قصف جلالة الملك عمرها مبكراً إستجابة للشارع المُلتهب ، بعد أن سقطت هيبة الرئيس والحكومة بالتبيعية ولم يعد لها إحتراماً في الشارع يُمّكنها من الولاية ، وسقط مجلس النواب منذ ذلك اليوم وتوالت سقطات المجلس والحكومات اللاحقة بالتبعية وهذا ما كان بالنسبة لحكومة البخيت الثانية عندما رفعت شعاراً أحرق عجلين وخذ بلدية !!.
وجاء القاضي العادل بحكومته لإنقاذ الموقف ، ولم يلتقط حاجة الوطن لإصلاحات جذرية وسريعة ، ولم يأبه لتعهدات جلالة الملك أكثر من مرة بإجراء الإنتخابات قبل نهاية العام ، فسار على طريقة السُلحفاة ما تعارض مع كتاب التكليف السامي ورغبة جلالة الملك في الإنجاز السريع، وهكذا إنتحرت الحكومة الثالثة نتيجة لفهم خاطئ لماهية المسارعة في الإصلاح وبطء الإنجاز ودخولها في تحالفات مع أحد التيارات السياسية متجاهلة باقي الأطياف في فهم خاطئ للخارطة السياسية الأردنية , وكان الإنتحار مُبكراً وقبل إنجاز القانون المعجزة وكم كان في مصلحة الوطن لو سارعت حكومة الرفاعي الثانية لإقرار قانون الإنتخاب وقصف عمرها وعمر مجلس النواب مبكراً قبل أن يضعنا هذا المجلس في حرج على الصعيدين الداخلي والخارجي عندما لعب دور الدفاع عن الفساد وجير القوانين والأنظمة لمكاسب شخصية بُحتة وهو يرى الوطن يحتضر توقاً للإصلاح ووقف الهدر والحفاظ على معدلات العجز والمديونية التي تفاقمت إلى أن وصلت حدوداً مخيفة.
أسوق هذه المقدمة وأنا أرى أن حكومة الطراونة الثانية أيضاً على وشك الإنتحار القصري المبكر وهي تلعب بأهم وأخطر الملفات بطريقة كارثية ألا وهو ملف الأسعار، إن تناول هذا الملف بهذه الطريقة السمجة والشعارات الزائفة لن يكون له نتيجة أخرى غير رحيل الحكومة قبل إقرار قانون الإنتخاب وفي هذه الحالة يُصبح مطلب رحيل مجلس النواب في إطار إحكام عُرفية وفقاً للدستور المُعدّل لأن الشارع لم يعد يُطيق تجاوزات هذا المجلس على أبسط قواعد الإلتزام بمصلحة الوطن ، وقد أيقن المواطن أن أخطر أخطاء حكومة البخيت هو إجراء التعديلات الدستورية قبل إقرار قانون الإنتخاب ما أُعطي المجلس النيابي الذي تم تعيين معظم أعضاءه بالتزوير القانوني و الجنائي فَتغول على الأمة وشرع في ابتزازها في إطار إنحراف تشريعي غير مسبوق كرد قانون التقاعد وإقرار قانون الجوازات الحمراء وإصدار صكوك الغفران للفاسدين وغيرها الكثير .
الحكومة ستفعل ماتريد لأن إرادة الشعب مُعطّلة بل سيساعدها المجلس وهنا يكمن الخطر في رحيل الإثنين وإقرار قانون إنتخاب مؤقت في ظل إحكام عرفية بما يضع الأردن في خانة ضيقة وأزمة دقيقة تحتاج إدارة حكيمة.
وهنا أُحذر من رفع الأسعار تحت أي مُسميات قلت مراراً أن ايصال الدعم لمستحقيه كلمة حق أريد بها باطل لأن إنفلات الأسعار الغير منضبط أصلاً سيؤدي إلى تآكل الدخول الحقيقية لمن يحصل على الدعم وهناك أكثر من نصف العائلات الأردنية لن تتقاضى دعماً لأنهم ليسوا موظفي دولة ، كما أن التضخم سيأتي على الدخول والحكومة لن تحقق وفراً لأن كلفة العملية والدعم سيفوق التزامات بند الدعم في الموازنة وسيفتح باب الفساد على مصراعيه لبيع السلع المدعومة في السوق السوداء .
إن الحلول الأسهل هي فرض بدل دعم على الأجانب في الأردن وسيكون ذلك على رسوم التأشيرة والإقامة وأُذن العمل السنوي على الشهر أو الجزء منه بواقع 17 دينار في الشهر وهو المبلغ المقدر لدعم السلع للفرد في الشهر الواحد ، هكذا يُصار إلى جمع الدعم المقدم للأجانب بسهولة ويسر وتنتهي حجة الحكومة !! أما الأغنياء فيفرض عليهم ضريبة على السيارات والبيوت الفخمة بما يُعرف بضريبة الرفاهية لتغطية الدعم النقدي ، علماً بأن هذه الفئات هي من تقوم بتوظيف الأردنيين وتدفع الضرائب ، ومن حقها على الوطن أن يُقدم لها التسهيلات ما أمكن عدا ذلك فكل الدنيا مفتوحة أمامها ولن تجد الحكومة من يدفع الضرائب بعد أن بدأ الكثيرين التفكير بالهجرة وترك الوطن !!! ..
لن تتمكن حكومة الطراونة ولو استعانت بالجن أن تقدم الدعم لذوي الدخل المحدود وما يتناوله المُنظرون من مقدرة تتحضه تجارب الأردن في عهد الكباريتي صاحب شعار الدفع قبل الرفع وتجارب أمريكا اللاتنية والمكسيك وأمريكا الشمالية أيضا وهم أصحاب الفكرة ومن طبقوها ومن فشلوا فشلاً ذريعاً في الحصول على النتائج وعادوا إلى دعم السلع , حيث أن دعم السلعة في الأردن الآن ضرورة في ظل بطالة وفقر غير مسبوقين كما أن لدى الحكومة 1000 بديل وأول هذه البدائل دمج المؤسسات والهيئات المستقلة وإخضاعها لمظلة ديوان الخدمة لتحقيق العدالة الإجتماعية الغائبة وفرض الضريبة التصاعدية ورفع رسوم التعدين ووقف الهدر بحسم مخصصات الفساد والرفاهية التي باتت ترصد قبل الأساسيات في الموازنة وخفض الرواتب الفلكية والحكومة تعرف طرق أخرى كثيرة تلجأ إليها دون الإعلان عنها من باب التقية على طريقة إخوانا من أتباع المذهب الشيعي .
نأمل أن لا تنتحر الحكومة قبل إقرار قانون الإنتخاب كما نأمل أن يفهم النواب والحكومة أن العودة إلى قانون الصوت الواحد قد يكون سبباً آخر في إنتحار مُبكر للحكومة و مجلس النواب هذه المرة .