لا تضعوا الاعتدال في الزاوية
السلطات في البلد لا تريد شركاء لها في الحكم، وهي مصرّة على المضي قدما في خطواتها التي ستعيد إنتاج الهيمنة السابقة، ربما بأدوات أكثر فسادا وقهرا.
الملك نزل إلى الشارع وقد فهمنا من ذلك رغبته بتولّيه شخصيا أمر طرح مشروعه الإصلاحي السياسي والاقتصادي على السواء.
ولكني أخاف من فشل هذين المشروعين "السياسي والاقتصادي"، وكم تمنّيت أن يتولاّهما الأدوات لا الملك، على اعتبار أنّ الأمر في حال فشل المشاريع سيقتصر على مجرد مواجهة بين حكومة أو وزير وبين مجتمع.
بعد أيام سترفع الحكومة الأسعار وستعلن الدولة عن تخلّي آخر لها عن مواطنيها، مراهنة على صمت الناس ونومهم العام.
قد لا ينتفض الأردنيون، وقد لا تكون هناك "هبة نيسان أخرى" نتيجة لرفع الأسعار، لكن المؤكد أنّ الاحتقان سيزيد، وأنّ هيبة الدولة ستواصل أزمتها، أمّا الاعتدال فانتظروا مأزقه عمّا قريب.
لا أدري ماذا يستفيد النظام من تعميق الهوة بينه وبين المواطنين، ولا أدري إلى اليوم كيف يفكّر عقل هذا النظام، وما هي الملابسات والالتباسات التي باتت تحيط به.
مشروع الإصلاح لم يتأخّر فحسب، بل تم التراجع عنه بكليّته، هناك حديث عن عودة لقانون الصوت الواحد بصيغة صوتين، واحد للمحافظة وآخر للقائمة الوطنية.
بالأحرى يريدون من الأردني أن يعيش "بربع مواطنة"، من خلال عدم مشاركته برسم السياسات والمستقبل، وفي ذات الوقت يضيّقون عليه خناق العيش اليومي برفع الأسعار، وفي النهاية يقولون نحن دولة "مودرن وعصرية".
أدوات المرحلة السابقة هي من أوصلتنا إلى هذه المعادلة الشائكة، وآن لها أن ترحل وتنفض من حول الملك، ويأتي آخرون من عمق المعادلة الاجتماعية والسياسية ليبدؤوا بنفض الغبار وحل الإشكالات.
أروع ما في الأردنيين سلميتهم واعتدالهم فهم يسامحون على الدم والعفو جزء من بنيتهم الاجتماعية والثقافية، وأخطر المشاريع أن يذهب النظام بممارساته نحو نزع هذا الاعتدال، ولو ببطء.
لا زلنا نملك الحل، ونملك الوقت والفرصة لذلك، فالإصلاح السياسي نعم بقرة مقدّسة بشرط أن تتوافر فيه الشمولية والعمق، كما أنّ المشروع الاقتصادي الوطني لا زال متاحا، وكلاهما هو مربط الحفاظ على الاعتدال.
( السبيل )
