حلول أخرى قبل رفع الدعم عن المواطن
برزخ الأردن حاليا تحت ضغوطات مالية واقتصادية جما ,حيث يتوقع وصول صافي المديونية العامة للدولة إلى أكثر من 17,5 مليار دينار في نهاية العام الحالي, وذلك نتيجة للعجز المستمر والمتنامي في الموازنة العامة لعام 2012 ,حيث يتوقع وصول عجز الموازنة إلى أكثر من 3مليار دينار وبما تتجاوز نسبته 12% من الناتج القومي الاجمالي للاردن الذي يقارب 22مليار دينار سنويا, هذه الأرقام وغيرها لتدق ناقوس الخطر , وقد يؤدي استمرارها بهذه الوتيرة إلى معضلة اقتصادية حقيقية إذا أستمر الوضع كما هو دون إجراءات تصحيحية فورية.
للأسف يعتمد الأردن بشكل كبير على المساعدات والمنح الخارجية كجزء مهم وأساسي في تقليص عجز الموازنة العامة للدولة, لكن حجم المساعدات الهزيلة التي وصلت إلى الأردن منذ بداية العام الحالي و التي يقدر حجمها بــ 20 مليون دينار لا يعول عليها الكثير, إن هذا التذبذب في حجم المساعدات والمنح الخارجية يدعونا إلى ضرورة إعادة النظر في سياسة اعتماد خزينة الدولة على المنح والمساعدات الخارجية في تمويل عجز الموازنة ,كون إن تلك المساعدات لم تعد مضمونة, كما لن تقوم المؤسسات المالية الدولية بعد ألان بصرف شيك على بياض للأردن لصرف تلك المساعدات من أجل دعم المحروقات والمواد التموينية و تمويل لرواتب العاملين والمتقاعدين الحكوميين.
وفيما يتعلق بالمساعدات التي وعدنا بها من قبل مجلس التعاون الخليجي, فالظاهر إن حماسة تلك الدول في تقديم الأموال للأردن لدعم الموازنة العامة وتمويل المشاريع التنموية قد خبت,والغريب إن الدول الخليجية قد ساوت في حجم مساعداتها المالية المقدمة للأردن بالمغرب, رغم التشارك الكبير بين الأردن ودول الخليج في العادات والتقاليد والأصول والمنابت والأهم من ذلك ملاصقة الأردن لحدود دول الخليج على عكس المغرب.
الفريق المالي والاقتصادي في الحكومة برزخ حاليا تحت وطأة الضغوطات الداخلية والخارجية ,وهم في مكان لا يحسدوا عليه,فهم ما بين مطرقة الشارع وسندان العجز المتواصل في الموازنة العامة للدولة , ولايخفى على البعض ان غالبية هذا العجز يعود في المقام الاول الى الدعم المقدم الى المواطن من دعم للمحروقات والقمح والشعير والمواد الغذائية....الخ, هذا كله بالإضافة إلى التضخم الكبير الحاصل في اعداد الموظفين العاملين في الجهاز الحكومي الذي يشكل الملاذ الأمن للكثيرين من المواطنين الباحثين عن الأمان الوظيفي مشكلا عبئا أضافيا على خزينة الدولة.
هنالك بعض المقترحات والحلول والتي قد تبدو اكثر ملائمة للظرف الحالي ومنها: مراجعة وتعديل قانون ضريبة الدخل والمبيعات المؤقت لعام 2010 برفع ضريبة الدخل على كبرى الشركات والبنوك, زيادة فعالية وكفاءة عملية التحصيل الضريبي عن طريق تحفيز العاملين في القطاع وتدريبهم وتحسين ظروف عملهم, والعمل على تحفيز آلية مكافحة التهرب الضريبي ,حيث يقدر حجم الأموال المتهربة ضريبيا بـ 700 مليون دينار سنويا وهنالك بعض التقديرات تشير إلى إن التهرب الضريبي أكثر من ذلك بكثير, ويتم تطبيق ذلك من خلال تغليظ و تفعيل نصوص العقوبات المتعلقة بالتهرب الضريبي في قانون ضريبة الدخل والمبيعات ,والعمل على تأهيل الكوادر و العاملين في مجال مكافحة التهرب الضريبي ,واستحداث جهة حكومية متخصصة بمكافحة التهرب الضريبي نظرا لأهمية هذا الأمر في رفد خزينة الدولة.
وفيما يتعلق بموضوع رفع الضرائب على بعض السلع والخدمات ,فيجب أولا تحديد كافة السلع والخدمات الكمالية والمشبعة في الشارع الاردني وفق دراسة دقيقة تقيس الأثر المباشر وغير المباشر لرفع الضرائب على تلك السلع والخدمات,وبشكل يضمن عدم تكرار سيناريو رفع التعرفة الكهربائية الذي تم في بداية هذا العام ,فعلى سبيل المثال: يمكن فرض ضريبة الـ 16% على الأجهزة الخلوية بعد انتفاء الغاية التي أعفيت من أجلها تلك الأجهزة ,و بعد إن أصبحت أعداد الأجهزة الخلوية تشكل أكثر من مثلي عدد سكان الأردن .
كما يمكن زيادة ايرادات الدولة عن طريق انتهاج آلية تصاعدية في فرض الضرائب والرسوم الجمركية على السيارات,بتخفيض نسبة الضرائب و الرسوم الجمركية على السيارات ذات سعات المحركات صغيرة ورفعها تصاعديا على السيارات ذات سعات المحركات الأكبر,كما يعمل ذلك على تقليص حجم الفاتورة النفطية للاردن بتشجيع المواطنين على شراء السيارات ذات سعات المحركات الصغيرة.
هذا كله بالطبع لن يمثل الحل السحري لمشكلة العجز المتفاقم والمديونية المتضخمة, ولكنه سوف يساهم بشكل كبير في تقليص حجم العجز في الموازنة العامة للدولة,فالحل يكمن أيضا بانتهاج الحكومات المتعاقبة سياسة مالية تقشفية من خلال تخفيض مكافآت ورواتب الطاقم الحكومي وتخفيض إعداد السيارات الحكومية العسكرية و المدنية وتعديل قانون التقاعد المدني بحيث يربط تقاعد الوزراء و النواب والأعيان وغيرهم بفترة خدمتهم الحكومية.
هذه الإجراءات وغيرها سوف تعمل بشكل تدريجي على تقليص العجز المستدام في الموازنة العامة للدولة وتخفيض الدين العام الأردني , بحيث تعود هذه الأرقام إلى معدلاتها الطبيعية, وبهذا الشكل نعمل على بناء جسور الثقة بين المواطن و الحكومة ونخفض وتيرة الاحتقان في الشارع.