وصفة سحرية طالما تجاهلناها

لا يسع المرء وهو يستمع إلى أحمد؛ المستفيد من مشروع أمان للأيتام، إلا أن يجدد الأمل بالمستقبل، ويتذكر أن التغيير نحو الأحسن ممكن، إن توافرت العزيمة والإرادة لذلك.
أحمد تحدث عن فترات الضياع في حياته عندما تخرج من إحدى دور الأيتام، ليدخل معترك الحياة، ويبدأ بمواجهتها بكل تفاصيلها الصعبة.
ويستطرد أحمد في الحديث عن تجربته، وكيف أن الحياة أعطته فرصة جديدة عندما فتحت له دار الأمان ذراعيها واحتضنته، لتفتح له أبوابا جديدة في الحياة، وليصبح اليوم شابا في السادسة والعشرين من عمره على مقاعد الدراسة الجامعية، يحدوه أمل كبير في أن يكمل دراساته العليا، بعد أن وضع قدميه على أول الطريق، وليدرك أحمد أن التعليم هو السبيل للتخلص من تشرده وفقره وعوزه وغربته.
لكن، كم أحمد لدينا؟! وكم منهم مؤهل للفوز بذات الفرصة؟! ولنا أن نتخيل أن كثيرا من خريجي دور الرعاية يغادرونها بلا علم إلى أي مقصد يذهبون، وكيف يتعاملون مع عالم كبير لا يعرفون شيئا من تفاصيله!
مشروع دار الأمان للأيتام، هو واحد من عدة مبادرات بدأتها الملكة رانيا العبدالله قبل سنوات، وتركز في فكرتها العامة على الإنسان الأردني وكرامته وتكافؤ الفرص، ليحظى بفرصة لحياة أفضل، من خلال شراكات مع القطاع الخاص لتمويل المبادرات.
بين مبادرة "مدرستي" وكلية الملكة رانيا لتدريب المعلمين، نكتشف مثلث الاهتمام بركائز التعليم، وهي المدرسة، والمعلم، والطالب في آن. وهذه عناصر أساسية للتنمية والتطوير وتحقيق الإصلاح التعليمي.
لكن نبل المبادرة والأهداف الكبيرة التي تحققت تبقى محدودة بالنظر إلى الوضع العام السيئ الذي بلغه قطاع التعليم في الأردن؛ إذ تشير نتائج استطلاعات أن الشركات تنأى بنفسها عن تعيين الخريجين الأردنيين، وذلك نتيجة ضعف مستوياتهم ومهاراتهم، ما يدق الجرس حول ضرورة الاهتمام بهذا القطاع الاستراتيجي والأساسي في تطوير المخرجات لسوق العمل.
ما من شك أن التعليم هو الطريق الوحيدة لحل جزء كبير من مشاكل الأردن، وعلى رأسها الفقر والبطالة وتحسين المستوى المعيشي للمواطن، وتحقيق تكافؤ الفرص.
فالتعليم والاستثمار في الإنسان للارتقاء به هو الحل والسبيل، وهو الوصفة السحرية التي طالما قلنا إنها غير موجودة، لدورها في وضع حد لتنامي مشاكل عابرة لحكومات عجز وزراء كثر خلالها عن التخفيف منها، ولربما يعود ذلك إلى تدني مستوى مخصصات التعليم في الموازنة العامة.
بالأرقام، يصل الحــجم المخصـــص لبند التعليم حوالي 4 % من الموازنة، ينفق 10 % منها فقط على تطوير التعليم، فيما تذهب غالبية المخصصات للنفقات الجارية، ما يؤثر على القطاع ويقلل من مستوى مخرجاته.
والإصلاح الحقيقي يتطلب إعادة النظر في كل بنود الموازنة ومخصصات التعليم منها، خصوصا وأن توفر الإمكانات البشرية والمعرفية سيمكننا من إصلاح قطاع التعليم والارتقاء به، شرط توفر التمويل المالي.فتطور الدول إنما يرتبط بمستوى التعليم.
ونحن في الأردن طالما امتلكنا ميزة في قطاع التعليم الذي ساعد في بناء الأردن ودول أخرى كثيرة، إلا أن الإهمال المتراكم للقطاع أدى إلى تدهور مستواه وفقدان هذه الخاصية.
لكن الفرصة ما تزال مواتية لاستعادة الريادة، إن نحن قررنا إصلاح التعليم، ووفرنا لذلك شروط النجاح، فالإنسان الأردني هو ثروتنا الحقيقية. ( الغد )