ريشة جلال وبوصلته

تم نشره الإثنين 21st أيّار / مايو 2012 12:44 صباحاً
ريشة جلال وبوصلته
عريب الرنتاوي

تعود علاقتي بالفنان المبدع جلال الرفاعي لسنوات طويلة خلت، لا أعرف بالضبط متى بدأت متابعاتي لأعماله الكاريكاتيرية الذكيّة، كنت أتتبعها حيثما نشرت في «الدستور» أو غيرها من صحف لندن والخليج...لكن علاقتي الشخصية بجلال الانسان، تعود الى أواسط العام 1995، عندما زارني والصديق عيسى الشعيبي (أطال الله في عمره)، في مكتبي المتواضع على مقربة من فرن غيث في جبل الحسين...يومها لم أكن قد انضممت لأسرة «الدستور» بعد، وكنت أكتب بكثير من الانتظام في صحيفة الأسواق التي كان الصديق مصطفى أبو لبدة (أطال الله في عمره أيضاً) يتولى رئاسة تحريرها.

لم تكن الصورة المتكوّنة في ذهني عن جلال مطابقة لما رأيت...لقد وجدت نفسي أمام رجل أنيق المظهر، حسن الهندام، لطيف المعشر، رقيق في حديثه وعذب في مشاعره...لقد تعرفت على عدد من رسامي الكاريكاتير بشعورهم المسترسلة وقمصانهم المفتوحة و»بنطلونات» الجينز المتلصقة بأجسادهم، وحقائبهم الرّثة المُعلّقة من دون عناية، بأكتافهم المحدودبة...جلال كان نموذجاً آخراً.

منذ ذلك اللقاء، بقينا على تواصل، جلال وأنا...لم تكن لقاءاتنا كثيرة ومتقاربة...لكنها كانت تشّف عن تقارب عميق في «القلق» والرؤية...لا أذكر أن خلافاً نشب بيننا ونحن نتجاذب أطراف الحديث في كل شاردة وواردة، من أكثر المواضيع حساسية، الى يومياتنا المعتادة...جلال لم يكن حاداً و»أقصوياً» في مواقفه...ربما كان كذلك في بعض انفعالاته حيال ما يعتقده «خروجاً عن كل منطق» فيما يقرأ ويشاهد من ظواهر في حياتنا السياسية والعامة، في الأردن وفلسطين وعموم المنطقة العربية التي غطتها مساحة اهتماماته، ومُداد ريشته.

ريشة جلال بوصلته...بل أجزم أنها كانت بوصلة محبيه ومتابعيه الكثر، في الأردن وعلى امتداد الوطن الكبير والمُغتربات...ظل منحازاً للحرية ولقمة عيش الفقراء ومقاعد الدراسة للاطفال...لم تنحرف بوصلته يوماً عن فلسطين، الوطن الحر السيّد المستقل، الذي يأبى الانقسام والتقسيم والقسمة، ويرفض الاعتراف بخطوط خضراء وحمراء وصفراء، فلسطين جميعها، كانت وطن الفلسطينيين، الذين عبّر جلال عن أعمق مشاعرهم بكل كفاءة واقتدار.

ريشة جلال، ظلت على الدوام، سيفاً مُسلطاً على رقاب الفاسدين والمُفسدين...خاض معاركه الحامية مع هؤلاء قبل أن يتحوّل شعار «محاربة الفساد» الى ناظمٍ شامل ومحركٍ رئيس لحركة الشارع وحراكاته...أكمل بحربه على «القطط السمان» و»حيتان الفساد»، ما بدأه بكفاءة واقتدار الشهيد ناجي العلي، في حربه التي لم تتوقف باستشهاده، ضد أصحاب «الرقاب المزدوجة» و»الكروش المنتفخة» و»المؤخرات السميكة».

رحل جلال عن هذه الدنيا بلمحة بصر...بيد أن ارثه الفني والثقافي، سيظل مشعلاً وقّاداً من مشاعل المعرفة والتنوير...رفض السير في مكانه، ظل على الدوام متطلعاً للأمام والأعلى، مع أنه أعطى آخر أعماله اسم «مكانك سر» في اشارة للحالة العربية العامة، قبل هبوب نسائم «ربيع العرب» وريحه الصرصر أحياناً.

الفنانون كالشعراء والروائيين وكافة المبدعين، لا يموتون...تتوارى أجسادهم في الثرى، لكن أعمالهم تظل تحفر في الواقع المُعاش، فتغير شكل البيئة المحيطة والثقافة السائدة، تماماً مثلما ترسم الريح والمياه المتدفقة أشكالاً نابضة بالحياة في الصخور والجبال والوديان.

رحم الله الأخ والصديق جلال الرفاعي، وألهم أهله ومحبيه وأصدقاءه، الصبر والسلوان.  ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات