الأزمة السورية وشبح الحرب الشاملة
بعد انشقاق قيادات سورية مهمة ومؤثرة عن المجلس الوطني السوري المعارض, وترك برهان غليون موقعه كرئيس للمجلس الانتقالي على أثر تلك الخلافات ، وبعد إن أصبحت هنالك أطراف في المعارضة السورية الداخلية والخارجية تتنازع فيما بينها عن حقها في الوصاية على الشعب السوري، وادعاء كل قطب من أقطاب المعارضة السورية حقه في خلافة نظام الأسد ،وياتي ذلك مع طغيان لغة الحرب والنزاع في الشارع السوري وحدوث اختراقات عسكرية حساسة من قوى المعارضة المسلحة, هذه التداعيات وغيرها تزيد من تعقيد الوضع السوري وتدعونا إلى إعادة النظر في كثير من الأمور التي اعتبرت تحصيل حاصل منذ بداية الأزمة السورية.
التفجيرات الانتحارية السورية الأخيرة التي شهدتها كبرى المدن السورية ,والتي استهدفت نقاط ومراكز حساسة لنظام البعث في دمشق وحلب, أنما هي مؤشر حقيقي على تدهور الأوضاع الأمنية ,وفقدان لسيطرة النظام على سير الأمور ,كما يشير ذلك إلى التطور النوعي الحاصل في عمليات المعارضة المسلحة التي تمكنت من احداث هذا الاختراق المهم, كما تزيد تلك التفجيرات وغيرها من صعوبة الوضع السوري الراهن, ويلغي إمكانية للخروج من المأزق الحالي بشكل فوري دون خسائر كبيرة في الأرواح والتي تتزايد يوما بعد يوم,خصوصا في ظل حالة الوهم والنكران التي يعيشها نظام الأسد الذي يصر على شعبية زائفة للحكومة الحالية, و إصراره على المضي قدما في إجراء الانتخابات النيابية كأن شيئا لم يكن .
الاختراق الامني الكبير الذي تم في كبرى المدن السورية انما يبعث برسالة واضحة للنظام السوري المتهاوي, مفادها انه يفقد السيطرة على زمام الأمور على الارض، فهاتين المدينتين تشكلان معا المركز السياسي و التجاري لسوريا, والذي بسقوطهما في يد فوضى السلاح سوف يكون بمثابة النهاية للنظام السوري الذي هزت أركانه بشكل كبير عشيت الضربات الموجعة لمعاقله ومراكزه الأمنية.
إن الحديث عن وقوف جماعة إسلامية متطرفة وراء التفجيرات الانتحارية الأخيرة, قد يكون مبررا كون إن الجماعات الإسلامية المتطرفة تزدهر وتنمو في بيئات النزاعات والصراعات, والعراق وأفغانستان واليمن وغيرهم مثال واضح على ذلك. ولكنه لا يعفي بالضرورة النظام السوري من التهم التي كالتها له المعارضة السورية حول مسؤوليته عن هذه التفجيرات.
بطبيعة الحال يستغل النظام السوري تلك التفجيرات الانتحارية من أجل الترويج والتسويق لدعاياته الأمنية ,والتي مفادها تطبيق خطط وحلول عسكرية أكثر دموية من أجل فرض النظام والأمن,وفي المقابل تنادي جهات و إطراف في المعارضة السورية بالتدخل العسكري الخارجي، على نسق ما تم في الثورة الليبية من خلال تدخل قوات الناتو وتامينها الغطاء الجوي للمعارضة المسلحة، ولكن وجود الجماعات المسلحة والإسلامية المتشددة يخلط الأوراق على الأرض ، و يصعب آنيا اتخاذ القرار المناسب للتعامل مع الأزمة السورية، وخصوصا في ظل عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية بالمضي قدما في هذا الخيار لعدة اعتبارات ومنها: الانتخابات الأمريكية المقبلة,والوضع الاقتصادي الحرج, والمحاولات الأمريكية الفاشلة التي تمت في بعض البلدان ,والعراق مثلا الذي ادخل أمريكا في أزمة مالية حقيقية هددت بإفلاس الاقتصاد الأمريكي, هذا بالاضافة الى عشرات ألاف الجنود الأمريكيين الذي قتلوا وأصيبوا في عملية الغزو الأمريكي للعراق.
خيار التدخل العسكري الأجنبي في سورية هو من ضمن الخيارات المطروحة على طاولة النقاش, ولكن احتمالية تنفيذه لم تتبلور بعد، وخصوصا في ظل الدعم الروسي للنظام السوري وتأمينه بالتغطية الدولية من خلال ممارسة حق النقض "الفيتو " في مجلس الأمن ضد أي قرار حاسم نحو النظام السوري, كما إن الملف النووي الإيراني يعقد الأمور بشكل اكبر.
وفيما يتعلق بخطة المبعوث الاممي العربي المشترك كوفي عنان فقد حكم عليه بالفشل , والذي سرع في فشله وجود أطراف ترد وتنادي بفشل مهمة المبعوث الاممي, من أجل تسريع اتخاذ قرار عسكري حول النظام السوري, لعدم جدوى إجراء المفاوضات ما بين النظام السوري وأقطاب المعارضة بشكل مباشر في ظل وجود قوة عسكرية لا تخضع لسيطرة أي من هذين الطرفين تمارس عمليات عسكرية مسلحة و تنفذ تفجيرات في غاية الدقة والإتقان.
ان بوادر الحرب الطائفية قد عبرة الحدود السورية فعلا و ما حدث ويحدث في طرابلس شمال لبنان ما هو إلا مقدمة إلى ما ستؤول إليه الأمور، مع امكانية اتساع رقعة الحرب الى ما هو ابعد من ذلك بكثير في ظل تمادي النظام السوري واصراره على الحاق الدمار بالمنطقة, ومع استمرار ايران في تقديم الاسلحة والعتاد لجيش الاسد ووجود عناصر عسكرية من ايران وحزب الله تعمل على تقديم الدعم الفني للجيش السوري.., ولكن الخوف الحقيقي يحل من خلال جر النظام السوري البائس المنطقة برمتها إلى حرب طائفية لا تحمد عواقبها.