فوينتس, حيث الهواء صاف

لم يعد الهواء صافيا, ايها الراحل, يا عابر القارات والهويات الذميمة, فالمكسيك اصغر منك, فكيف اذا كانت قبرا..
كتبت مرة ايها الراحل (حيث الهواء صاف) فلاحقتك نوبل على هذا العمل الروائي, ولكنها لم تخدعك ولم تروضك, كما تفعل الجوائز الكبرى, فكتبت (العجوز الامريكي) والاهم بالنسبة لنا هذه الايام قصتك (موت ارتيميو كروز) عمل عابر للقارات والزمن ويذكرنا بما نحن فيه, وبقصة قصيرة لشاعر وروائي اردني لم تسمع به رغم انه مثلك في روحه الخلاقة واحساسه بالاشياء حتى الموت, حيث انتحر ذات صباح...
في تلك القصة (صياح الديك) كتب تيسير السبول كما كتبت في ارتيميو كروز: فضيحة كاملة الدسم لليساري الانتهازي الذي صار ليبراليا من اجل حفنة دولارات.
ومن تلك الزوايا الرطبة العفنة الى البحر في تحولاته ومساءاته وقرابينه واحزانه واعماقه وعوالمه, كأنك همنغواي وعجوزه, وكأنك كاسترو في سنواته الاخيرة, يرمق البحر ويدعوه لنهاية مجيدة..
الشيخ, البحر, القناديل وساحل كوبا حيث التبغ والاحلام والقصب الذي يغني مع الريح, وافضل الملاكمين. فقد كنت, كما كانا مغرما بالحلبات.. وكنت كما كانا, طيف هوى بحري في مساءات (صافية) كطير برق بعيد يرف من سفينة نوح من زمان ولا يصل الرمل بالماء ابدا..
همنغواي, بندقية الصيد القديمة المنذورة للفجيعة وسانتياغو العجوز بين الماء والبر, وكاسترو سيد الندى والامل الدافئ الذي يغمر الخليج ولا يرمي اقماره على غابة الكوكا شمالا او جنوبا.
فوينتس, لا بأس اذ رحلت اخيرا وجدفت خلف الطيور واعشاب البحر, كما سانتياغو وكاسترو, فقد عادا من الماء بسمكة لا تنضب واصابع مجرحة بالملح وامل يضيء القناديل وقلوب الصيادين المتعبة. ( العرب اليوم )