مؤرخون : إعلان الاستقلال بدأ من المجالس البلدية انطلاقا من مقتضيات الشرعية

المدينة نيوز - بدء إعلان استقلال المملكة من المجالس المحلية من مقتضيات الشرعية في ذلك الوقت ، وخطوة تؤشر الى احترام المجالس المحلية المنتخبة من قبل الاهالي واحترام صفة البلديات التي صدر قانونها في عهد امارة شرق الاردن في الثالث من شباط عام 1925 "
استاذة التاريخ في جامعة ال البيت الدكتورة هند ابو الشعر ترى ان دلالة وجود المجالس المحلية في شرقي الأردن قبيل الاستقلال يؤكد ان لدينا تجربة قديمة وناضجة في الحكم المحلي وهذا ما تقوله وتوثقه مصادرنا التاريخية.
وتشير الى الاهمية الخاصة التي اعطيت للمجالس البلدية في ذلك الوقت حيث كان في بلدية عمان التي تشكلت عام 1909 إدارة منتخبة وكذلك الحال في السلط وإربد ولاحقا في الكرك التي أصبحت مركزا للمتصرفية حتى قيام مجالس بلدية بعد ذلك في معان والطفيلة ومادبا.
وتبين : هذا يثبت ان لدينا معرفة وممارسة مبكرة بالإدارة والحكم المحلي حيث كان الاهالي ينتخبون، والأعضاء يقومون بدورهم , مشيرة الى ان صحفا في عام 1910 اشارت الى احتجاج الاهالي على ادارات الحكم المحلي لإهمالها في بعض الخدمات المقدمة كالنظافة اضافة الى اعتراض الأهالي في السلط على المتصرف لتدخله بالانتخابات.
وترى: ان بدء إعلان الاستقلال من المجالس المحلية من مقتضيات الشرعية في ذلك الوقت، وانها خطوة تؤشر الى احترام المجالس المحلية المنتخبة من قبل الاهالي ، واحترام صفة البلديات التي صدر قانونها في عهد الامارة في الثالث من شباط عام 1925، مشيرة الى انها اطلعت على أوراق رئيس بلدية إربد عام 1926 عبد القادر التل التي يذكر فيها أن وضع قانون الانتخابات أنيط بعدد من الشخصيات ومنهم رؤساء البلديات.
وحول مدى مساهمة الحكم المحلي في إرساء قواعد الاستقلال تقول الدكتورة ابو الشعر: ان المجالس المحلية ارتبطت بالتشريعات التي قامت بها المجالس التشريعية قبل أن تسلمها للمجالس النيابية، وانه عند تفحصنا لأسماء رؤساء بلدية عمان مثلا ودققنا في مؤهلات أصحابها لوجدنا درجة الوعي بأهمية الدور الذي تقوم به المجالس البلدية والمحلية ، والتي تصب في تعميق درجة تحقيق معنى الاستقلال وممارسته.
وتشير الدكتورة ابو الشعر الى ان الدولة التي انتقلت من عهد الإمارة إلى العهد الملكي وأعلنت استقلالها وممارستها لسيادتها ، كانت بحاجة إلى رجال لإدارتها على مستوى عال من الوعي بدور واهمية الاستقلال.
وفي ذكرى عيد الاستقلال السادس والستين تطالب استاذة التاريخ بان لا نقلل من شأن تجربتنا وان نعطيها الموقع الذي تستحقه، مشيرة الى ان رجالات الاستقلال في ذلك الزمن كانوا يتمتعون بحس وطني وقومي ، ويمارسون هذا الحس بالتزام ، وان ما نراه في الوطن الان من رقي وازدهار يجعلنا نحترم البدايات التي بنينا عليها، وان ما وصلنا اليه من تطور في التعليم والطب والعمران والأمن والأمان ، هو أثمن ما حققته لنا تجربتنا عبر تاريخ الوطن الذي تناغمت فيه القيادة مع الشعب بوعي ومسؤولية.
استاذ التاريخ والحضارة في جامعة اليرموك الدكتور يوسف الغوانمة يقول ان البيعة لسمو الامير عبد الله الاول كانت شعبيا بامتياز , فالاردنيون هم من طلبوه وهم الذين استقبلوه بالحفاوة والمحبة والاعتزاز، وهذا ما ظل يعتز به سموه لان وجوده على رأس الدولة كان بارادة شعبية جامعة .
ويقول: ان وجود المجالس المحلية في ذلك الوقت كان بهدف رعاية شؤون الناس والنظر في احوالهم المعيشية ورفع مستواهم العلمي والاقتصادي والزراعي والعمراني ونشر الامن والاستقرار.
ويبين ان هذه المجالس قبل الاستقلال كانت في , العقبة ومعان وعمان والكرك والرمثا وعجلون والطفيلة ومادبا والسلط والحصن واربد وجرش ووادي السير والمفرق والزرقاء وكفرنجة.
ويضيف الدكتور الغوانمة ان المجالس البلدية كانت ذراع الدولة في حماية مصالح الناس يتم من خلالها ايصال طلباتهم للحكومة كما انها ترعى شؤونهم الخاصة والعامة وترسي دعائم الحكم في ارجاء البلاد الاردنية كممثلين للشعب الذي انتخبهم مشيرا الى ان لكل مجلس من المجالس وظيفته واهتماماته وهم في مجملهم يمثلون الاردنيين بكل فئاتهم.
ويقول ان سمو الامير عبد الله عمل بجد واخلاص ومحبة على تأسيس امارة شرقي الاردن، وبذل كل ما يستطيع بان تكون الامارة نموذجا في هذه المنطقة , فمنذ التأسيس سمح للاحزاب بالعمل واقيمت حياة برلمانية حيث جرت الانتخابات سنة 1929 ثم انشئت الدوائر الحكومية ومرافق الدولة ومؤسساتها المختلفة، كما بنى سموه جيشا رائدا في عقيدته القتالية وهو (الجيش العربي) لانه للعرب كما للاردن على حد سواء.
ويضيف انه كان لا بد امام هذه الانجازات التي تحققت من انهاء الانتداب والحصول على اعتراف بريطانيا والامم المتحدة بالاستقلال التام، مشيرا الى ان الاستقلال لكي يكون جامعا مانعا كان لا بد ايضا من ان يكون من الشعب والبيعة تتم منه، تماما كما حدث عند قدوم سمو الامير عبد الله الى الاردن ومبايعته بالامارة.
ويشير الدكتور الغوانمة الى ان اعلان الاستقلال جاء من القاعدة اي من المواطنين في البوادي والقرى والمدن، ومن الزعماء والمشايخ والوجهاء والمخاتير، حيث ان المجالس المحلية كانت تمثل هذا التكوين الشعبي كله بجميع اطيافه وتعدده وتنوعه.
ويبين: ان هذه المجالس المحلية - بلديةً واداريةً وقروية - نسبت الى مجلس الوزراء( باعلان البلاد دولة مستقلة استقلالا تاما على اساس النظام الملكي النيابي مع البيعة للامير سيد البلاد ومؤسس كيانها عبد الله بن الحسين ملكا دستوريا على راس الدولة الاردنية)، فالبيعة هذه التي حدثت في 25 / 5 / 1946 جاءت من القاعدة الشعبية من المجالس البلدية المحلية ومن كل البلاد الاردنية، وهكذا كانت بيعة الامارة ، ومثلها جاءت المبايعة له ملكا على البلاد. ويرى المؤرخ والاعلامي الدكتور جورج طريف ان سمو الامير عبد الله الاول أدرك دور الوحدات المحلية سواء المجالس البلدية أو القروية منذ تأسيس امارة شرق الاردن ليس في موضوع توفير الخدمات والمرافق للمواطنين انما بدورها في تطوير المجتمعات وتنمية الشعور الوطني للمواطنين على اعتبار ان المسؤولين المحليين اكثر التصاقا بالناس واكثرهم معرفة لتفاصيل حياتهم اليومية ولديهم القدرة أكثر من غيرهم على نقل مشكلاتهم واحتياجاتهم الى السلطات العليا.
ويقول ان هذا الادراك تبلور عند سموه آنذاك من خلال اصدار قانون للبلديات سنة 1925 تلاه فيما بعد قانون 1938 الذي استمر العمل به حتى العام 1954.
ويشير الدكتور طريف الى ان المجالس البلدية اعتبرت شكلا من اشكال اللامركزية في الاداء، مبينا ان سموه لم يأل جهدا في تلبية رغبات الشعب الاردني من خلال المطالب التي كانت تجسدها المجالس البلدية، وكان سموه يقول في مذكراته انه يجسد في اقواله تقاليد الراي العام الاردني الممثل في هذه المجالس والمجالس التشريعية التي تضم نواب الشعب.
ويبين: ان المذكرات التي ارسلها سمو الامير عبد الله للمسؤولين البريطانيين في لندن، وتوجت بالتوقيع في 22 اذار 1946 على معاهدة بين الاردن وبريطانيا أدت الى انهاء الانتداب البريطاني والاعتراف بشرق الاردن كدولة مستقلة.
ويقول الدكتور طريف: ان المجالس المحلية اتخذت قرارات تعبر عن رغبة البلاد عموما بشأن اعلان الاستقلال على اساس النظام الملكي النيابي ، وقد رفعت هذه القرارات الى مجلس الوزراء والى المجلس التشريعي في 25 ايار 1946 حيث تليت هذه القرارات التي تتضمن رغبة اهل البلاد (شرق الاردن) لنيل الاستقلال كما تلي قرار مجلس الوزراء الذي أخذ بقرار المجالس المحلية، وبناء على ذلك اتخذ المجلس التشريعي بالاجماع قرارا باعلان استقلال البلاد استقلالا كاملا على اساس النظام الملكي النيابي مع البيعة لسيد البلاد الملك عبد الله الاول.
ويشير الدكتور طريف الى ان وجود مجالس بلدية منذ تأسيس الامارة دلالة مهمة على صعيد الحكم المحلي، ففي الوقت الذي كان فيه الحكم مركزيا في معظم البلاد العربية مع وجود الانتداب البريطاني والاستعمار، كانت في شرق الاردن مجالس( بلدية) محلية منتخبة، مبينا ان هذه المجالس كانت تضم زعماء البلاد والهيئات المختلفة للشعب وكانت القرارات الكبرى والمصيرية يرجع فيها الى المجالس المحلية باعتبارها تمثل الغالبية العظمى.
وكانت بلدية عمان اقامت سنة 1946 احتفالا بمناسبة الاستقلال في سينما البترا برعاية المغفور له الملك عبدالله الاول , اذ افتتح الحفل بنشيد الشباب , والقى رئيس البلدية كمال الجيوسي كلمة بالمناسبة قال فيها " ان عاصمة ملككم ممثلة في مجلسها البلدي لسعيدة ان يظللها تاج الحرية والسيادة وان تقدم على التهنئة الواجبة لمناسبة اعتلاء جلالتكم عرش المملكة الاردنية اثمن ما يهدى للملك العادل العالم هو كتاب الله الذي نزل به الوحي الامين على قلب جدكم الاعلى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ". ( بترا )