إنقاذ فقراء الأردن..
صندوق تنمية المحافظات من أهم المشروعات الرسمية التي بدأت الحكومات تهتم بها بعد أن تلقّت توجيهاً مباشراً من الملك، ولو لمْ يتابع الملك ويهتم بذلك، لما رأينا حكومة تعير الموضوع أدنى اهتمام، أو على الأقل لكانت تلكّأت في التنفيذ كما هي عادة حكوماتنا، وربما صرفت النظر عنه نهائياً..!!
وإذا كان التوجّه العام لهذا الصندوق تشجيع إنشاء المشروعات الصغيرة والمتناهية والمتوسطة، فهذا أمر مهم لأن الدراسات والإحصائيات تشير إلى أن هذا النوع من المشاريع هي المولّد الأكبر لفرص العمل، وهي التي تشغّل حالياً ما يقرب من 48% من الأيدي العاملة في المملكة، كما أنها تسهم بنسبة لا تقل عن 40% من الناتج المحلي الإجمالي.
والأفكار حول تفعيل دور مباشر وداعم للاقتصاد الوطني يمكن أن ينهض به صندوق تنمية المحافظات كثيرة، ومنها:
- توجيه المشروعات التنموية إلى المناطق الأكثر فقراً، وتحديداً إلى جيوب الفقر التي بلغت 36 جيباً، وكل منها تتجاوز نسبة فقرائه ألـ 25% من سكان منطقة الجيب/ وبعضها وصلت نسبة الفقر فيه إلى أكثر من 65% كوادي عربة والرويشد، وفي مريغة هبط نصف سكانها إلى ما دون خط الفقر.. وهي مناطق يمكن اعتبارها مناطق فقر منكوبة تحتاج إلى جهد رسمي وأهلي كبير وسريع وناجع لتخفيف وطأة فقرها وعوزها الشديد..!!
- إقامة مشروعات متوسطة وكبيرة تتناسب مع طبيعة بعض المحافظات بهدف التحفيز الاقتصادي، وتحديداً في محافظتي معان والطفيلة، اللتين تعانيان من نسبة فقر مرتفعة ومن بطالة مرتفعة لكن يمكن السيطرة عليهما واحتواؤهما ضمن خطة مدروسة مجدولة زمنياً، وثمّة مشروعات استمعت إلى تفاصيل عن بعضها، وفيها دراسات جدوى لدى كل من بلديتي معان والطفيلة، ويعوّل أن تسهم في حال تم تمويل إنشائها إسهاماً ملموساً في تشغيل نسبة كبيرة من شباب المحافظتين المتعطلين عن العمل.
- الاهتمام بالتأهيل والتدريب على إدارة المشروعات الصغيرة والمتناهية، قبل البدء بعملية التمويل، حتى نضمن نجاح المشروع، وبالتالي تحقيق الهدف المنشود عبر التشغيل وتمكين الأفراد من الحصول على دخل مناسب من هذه المشروعات، لأن منح التمويل لأشخاص دون تأهيلهم وتدريبهم على إدارة مشروعاتهم سوف يؤدي إلى نتائج عكسية، إذْ قد تتعرض مشروعاتهم للفشل بسبب سوء الإدارة أو عدم القدرة عليها، بينما يظل أصحابها رهن قروض لا بد من تسديدها فتتضاعف المشكلة ويزداد الفقر اتساعاً..!
- تقديم الدعم المعنوي والتحفيز المادي لذوي المشروعات، عبر منحهم إعفاءات ضريبية وتخفيضات في كلف التراخيص وغيرها ولفترات جيدة ريثما يقوى عودهم، وتترسخ مشروعاتهم وتحقق النجاح المطلوب.
- إن هذا الصندوق يمكن أن يتفرّع عنه صندوق يسمى الصندوق الوطني للتشغيل ومحاربة البطالة، يعمل بأسلوب غير تقليدي، ويموّل من عدة مصادر، أهمها الشركات الكبرى والمصارف، والتبرعات وأصحاب العمل والنقابات المختلفة، وأقترح أن يتم فرض رسم بقيمة خمسة دنانير يتحملها صاحب العمل سنوياً عن كل عامل وافد يقوم بشغيله، وأن يتم إعادة النظر بتأمين التعطل عن العمل في قانون الضمان الاجتماعي بحيث تُوجّه نسبة الاقتطاع المترتبة على هذا التأمين لدعم صندوق التشغيل ومحاربة البطالة.
وأختتم بأننا مهما بذلنا من جهود على كل المستويات للحد الملموس من انتشار الفقر والبطالة فلن نستطيع ما لم نطوّر رؤية واضحة نتقدم من خلالها بجهود لتحفيز الحريات وتشديد الرقابة على المال العام، ومحاسبة الفاسد، وتحطيم سقف حرية الإعلام، وتطبيق التشريعات بحياد، واختيار حكومات كفؤة، والاتفاق على مرجعيات لحماية ذوي الدخول المحدودة والفقراء، وتطوير استراتيجيات للتعليم والتدريب قائمة على متطلبات السوق، وتغيير سياسة الاهتمام بالعاصمة وما حولها إلى الاهتمام بالمناطق الأقل حظاً ضمن استراتيجية واضحة الأهداف تؤدي بها إلى أن تصبح مناطق
أوفر حظاً.. إضافة إلى ضبط قطاع العمل غير المنظم وتنظيمه، وتوجيه مسارات حقيقة فاعلة لتشغيل المرأة، سواء المتعلمة أو الريفية.
وبصورة عامة فإن شعور أي مواطن بعدالة التوزيع والحصول على نصيب عادل من مكتسبات التنمية بكافة مجالاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية سوف يكون المعزّز الأكبر للتنمية المستدامة ويؤدي إلى صياغة تلقائية لعقد اجتماعي جديد بين الشعب والدولة قائم على الرضى والقناعة لا على الإذعان والتبعية العمياء ..!!
أما الدرس: فإن قناعة أي شعب بالنظام نابعة من قناعة النظام بالشعب.. وكل منهما إما أن يعزز الآخر، وإما أن ينفّر الآخر.. أما الفقر فعدوّ الاثنين.. وعليهما أن يتفقا دائماً على محاربته..!