دخنوا في غير حيزنا

قبل سنتين شمر مجلس الوزراء عن همته، وكشر عن أنيابه، وأعلن أن عيد استقلال المملكة؛ سيكون موعداً فاصلاً وصارماً لبدء تفعيل قرار منع التدخين منعاً باتاً في الوزارات والدوائر والهيئات الرسمية والأهلية والأماكن العامة. ومع الأسف ما ازددنا إلا رضوخاً لهذا الداء، وانظروا إلى وزاراتنا وبرلماننا ومجالسنا. فقد فشلنا في احقاق هذا الحق، ولم ننعم بانعتاق من هيمنة دمار تبغي يهيمن على ثلثي شعبنا.
من جديد، أدعو إلى تطبيق قرار المنع وتفعيله، ليس لأنني غير مدخن، ومناهض شرس لهذا المرض القميء، بل لأن هذا ينطوي على عدالة وإنصاف. فمن حق غير المدخنين، أن ينعموا بجو خال من هذه الآفة، فدرء المفاسد أولى من جلب المنافع، والذين يشعرون بأن من حقهم التمتع بالسيجارة أيضاً، فالأولى أن يتخذوا جانباً قصياً، وألا يقتلوا غيرهم بسمومهم. ولهذا أرى أن هذا القرار في جوهره يرتقي بنا كدولة تهتم بإنسانها، وتقدر قيمته.
لن أفسد يومكم بفداحة خسائرنا المالية، ولا بفاتورة علاج المدخنين، الذي تتحمل الدولة جزءها الأكبر، ولكني أرى أن مشكلتنا الحقيقة لا تكمن بقرار سيبقى حبراً على ورق، ما دامت الإرادة الحقيقية مغيبة. نريد الإرادة، وأرجو أن يكون تفاؤلي في مكانه مع حكومتنا الجديدة!.
اليوم نشارك باليوم العالمي لمكافحة التدخين، وهي مناسبة للنظر بالملايين التي نحرقها يومياً!. وللنظر لأطفال المدارس المدخنين، وإلى الآباء الذين لا يتوانون عن التدخين في حضرة أبنائهم، ننظر إلى حجم الأمراض التي تصيبنا، ونسب السرطانات التي تقتلنا. وإلى المدخنين الذين لم يدركوا معنى فرض دخانهم على الآخرين. وستبقى مناسبة مواتية أن يكون اليوم بداية لمن أراد أن ينعم بالحياة ومذاقها الحقيقي، بلا سجائر.
المدخنون مختطفون في هذا البلد، بل ورهائن للمدخنين، فأينما وليت وجهك فثمة غيمة تبغ تحاصرك، وتسمم يومك، ولأنه لا يوجد أقوياء في هذا العالم، بل يوجد ضعفاء فقط؛ فإني أرى أن هذا أوان إحقاق الحق، فمن حقنا أن نركب حافلة خالية من التدخين، أو ندخل قاعة لا تغممها سُحب المرض: ومن حقنا أن نقول بلسان طلق: دخنوا في غير حيزنا. وقفوا عن قتل أنفسكم... وقتلنا. ( الدستور )