المجتمعية القادمة أو عصر المجتمعات

تعد مشاركة المجتمعات من الوسائل الفعالة في تخفيض النفقات على التنمية، وتزيد من فاعلية الناس؛ وقد كانت قبل قيام الدولة الحديثة من أهم وسائل الناس في تدبير احتياجاتهم، ثم ألغت الدولة هذا الدور وتولت هي كل شيء، ثم عجزت عن أداء مهماتها واتجهت إلى خصخصة الخدمات، وهو ما يجعلها غير متاحة للفقراء.وقد طبقت دول عدة أسلوب الإدارة المجتمعية، أي إشراك المجتمعات المحلية في إدارة البرامج وأنظمة الخدمات، كالتعليم والصحة والموارد. ويعرض تقرير للبنك الدولي مجموعة من التجارب والنماذج التي طبقت بنجاح. ومن التجارب التي درست في هذا المجال، تجربة دولة نيكاراغوا في المشاركة المحلية في نظام التعليم. وتقوم مبادئ هذه المشاركة في السياسات التالية: تبقى المسؤولية القانونية عن التعليم العام للوزارة، وإعداد المدرسين وتحديد مستويات التوظيف وتمويل رواتب المدرسين ومعايير ومؤهلات الأداء، وتقوم مجالس التعليم المحلية والبلدية بتصريف الوظائف الإدارية ودفع رواتب المدرسين من اعتمادات مركزية، والتعيين والتحويلات والإجازات والفصل والحوافز، ويتعاون المدرسون والآباء ومجلس التعليم البلدي في مراقبة التعليم وعقد اجتماعات أسبوعية.ولوحظ تحسن في مستوى التعليم وتخفيض للنفقات. وتشير التجارب إلى الحاجة إلى إطار تنظيمي قوي وإلى تدريب الآباء. ويمكن معالجة الكثير من الشواغل الأخرى المتعلقة بقيام درجة أكبر من مشاركة الأسر في التعليم من خلال التمويل العام، ويمكن أن تؤدي مشاركة المجتمع المحلي إلى زيادة الشعور بالملكية والقدرة على الاستمرار إذا قامت المجتمعات باختيارات مدروسة.وتساعد المشاركة في صنع القرار على اختيار الأولويات، وخاصة في المجالات التي يصعب معالجتها، من خلال التحليل الاقتصادي؛ مثل القيمة النسبية للاستثمار الاجتماعي والإنتاجي، والتكامل بين الاستثمارات، وتحديد الأهداف داخل المجتمعات المحلية.وطبقت في الهند تجربة الإدارة المشتركة للغابات في ولاية أندرا براديش. بدأت التجربة العام 1992، وفي العام 1999، كانت خمسة آلاف منظمة قروية تشارك في إدارة 1.2 مليون هكتار من الغابات. وقد أمكن صيانة الغابات وتنميتها ووقف الرعي الجائر وتهريب الخشب، ومنعت التعديات على الغابات، وتحسن مستوى التربة والمياه الجوفية، وزاد الإنتاج الزراعي، وازدهرت النباتات والحيوانات التي تعيش في الغابات، وتناقصت الهجرة من المنطقة. وحصلت المنظمات على إيرادات متأتية من الغابات، كالمنتجات غير الخشبية، وحصاد الخيزران.هل يمكن تطبيق التجربة في الأردن أو العودة إليها، بحيث تتولى البلديات والمجتمعات إدارة الطاقة والماء والتعليم الأساسي والصحة والثقافة والأوقاف والأندية الرياضية؛ فتوفر الحكومة جزءا كبيرا من نفقاتها، وتعيد توجيهها في هذه المجالات في التطوير والتدريب والتنسيق والمراقبة والإشراف، وتجري مشاركة جديدة بين الحكومة والمجتمعات والقطاع الخاص حول الأولويات والاحتياجات؟ ولماذا لا نفعل ذلك؟
( الغد )