الحل من جانب واحد بدل «حل الدولتين»

عادت إسرائيل لسياساتها “الأحادية” من جديد، وهي على أية حال لم تبرح هذه السياسات لتعود إليها...هذه المرة، يُراد إعادة تجربة الانسحاب أحادي الجانب من غزة زمن شارون، في بعض مناطق الكثافة السكانية في الضفة الغربية زمن حكومة الائتلاف الأوسع في تاريخ الدولة العبرية.
هذه الفكرة، ربما كانت الفكرة الأبرز التي هيمنت على مؤتمر الأمن الإسرائيلي الذي التأم بتنظيم من أرفع مؤسسة تفكير أمني – إستراتيجي في إسرائيل، وبمشاركة أزيد على 200 شخصية سياسية وعسكرية وأمنية، عاملة ومتقاعدة، وكان لافتاً أن إيهود باراك، كان من بين المؤيدين الأكثر حماسة للفكرة، ومعه “لفيف” من الشخصيات الأمنية والسياسية المنضوية في إطار الائتلاف الحاكم.
تنهض هذه الفكرة على جملة فرضيات أساسية منها: أولاً، إن الحد الأقصى الذي يمكن لإسرائيل أن “تتخلى” عنه للفلسطينيين نظير حل سياسي تفاوضي، لن يلتقي مع الحد الأدنى الذي يمكن لأكثر قادتهم اعتدالاً أن تقبل به، لذا تبدو فرص “التسوية التفاوضية” من وجهة نظر هذا الفريق، متآكلة وغير قابلة للحياة والنفاذ.
ثانياً، إن إسرائيل لا يمكنها أن تجازف بمواجهة “خيار الدولة الواحدة”، سواء أكانت “ثنائية القومية” أو دولة جميع مواطنيها، فالأغلبية العربية آتية لا محاولة، ومستقبل إسرائيل كـ”دولة الشعب اليهودي” سيكون في خطر....ثالثاً، أن إسرائيل في محاولتها الإجابة على إشكالية “ديمقراطية الدولة ويهوديتها”، لا يمكنها أن تجازف بانتهاج أشكال مُستدامة من التمييز العنصري ضد الفلسطينيين، خصوصاً بعد أن تعرضت صورتها وسمعتها لأوسع حملات الانتقاد والتنديد في السنوات الأخيرة، وعلى ألسنة أصدقائها وحلفائها.
الخيار الوحيد الذي تنتهي إليه دوائر واسعة في الائتلاف الحاكم، هو الخيار ذاته الذي توصل إليه أريئيل شارون قبل عشر سنوات للتعامل مع استعصاء قطاع غزة، حيث قرر من جانب واحد، التخلص من الكثافة السكانية، لتفادي الأسئلة التي تداولها “المحفل الأمني الأرفع” في إسرائيل قبل أيام.
في التفاصيل، لا اتفاق على شكل الخطوة وحدودها وتوقيتها وأشكال تنفيذها...هناك من يقترح ضم الكتل الاستيطانية، وهناك من يريد ضم “مناطق ج” أي ما يزيد على نصف مساحة الضفة الغربية ، هناك من يرى الانسحاب إلى حدود جدار الفصل العنصري، إلى غير ما هناك من مزايدات ومناقصات في بازار الاستيطان والتوسع المفتوح على مصراعيه.
طبعاً، إسرائيل مطمئنة إلى وجود “سلطة وطنية” ستجد نفسها مضطرة للتعامل مع مخرجات هذه السياسة الأحادية كيفما جاءت، إذ ليس من المعقول أن يستنكف الفلسطينيون عن إدارة مناطق أجلت إسرائيل احتلالها عنها...بل وربما تصبح هذه المناطق، سبباً إضافيا لتزاحم على السلطة بين الأطراف الفلسطينية النافذة، تماماً مثلما حدث في قطاع غزة منذ الجلاء الأحادي عنه وحتى اليوم، بل وربما يطلع علينا من يقول إن إسرائيل ما كانت لتجلو طائعة من الضفة، وأن هذه المناطق هي مناطق محررة، تماماً مثلما قيل ويقال عن الحالة في غزة، في مصادرة ساذجة للعقل والتفكير.
خطوة كهذه بوجود مؤسسات السلطة وأجهزتها المختلفة، ستعني تسلماً و تسليماً ضمنياً لهذا المناطق من اليد الإسرائيلية لليد الفلسطينية، وستكون السلطة مضطرة لتوفير مقومات الأمن والاستقرار والحياة في هذه المناطق، ومراعاة عدم تحوّلها إلى منصة انطلاق لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال، أي أن الوظيفة الأمنية في حماية الاستيطان والاحتلال، ستتسع لتشمل مخرجات “الحل الأحادي” كذلك.
وحتى بفرض تولي حماس ذات يوم زمام الأمور في هذه المناطق، فإن الصورة لن تختلف كثيراً...فالمطلوب من حماس أن تمارس شيئاً شبيهاً في هذه المناطق لتفادي الضربات العسكرية الإسرائيلية، أسوة بما تفعله الآن في قطاع غزة من إعمال الهدنة والتهدئة وبصورة مفتوحة وغير محددة زمنياً.
بعض الإسرائيليين يأخذون على هذه المقاربة الأحادية أنها قد تقود لسقوط هذه المناطق بيد حماس...أما المؤيدون لها فيقولون، وما الفارق طالما أن الوضع في غزة قد عاد للانضباط، وعلى يد حماس وأجهزتها، خصوصاً بعد عملية “الرصاص المصبوب”، فلماذا لا نكرر الأمر في الضفة الغربية؟
وطالما أن الانسحاب سيكون أحادي الجانب، فليس من الضرورة أن تكون هناك مفاوضات واجتماعات واعترافات متبادلة...الكل بمقدوره أن يدّعي بأنه انتزع انتصاراً تاريخياً من دون دفع الثمن....إسرائيل بضم المستوطنات ومساحات واسعة من الضفة، والفلسطينيون بالقول إنهم أقاموا الدولة على”أي شبر” يتم تحريره من دون الاضطرار للاعتراف بحدود إسرائيل الجديدة ويهوديتها، ومن دون التنازل عن مطالبهم التاريخية.
المقاربة الأحادية لا تغلق ملفاً واحداً من ملفات القضية الفلسطينية العالقة...ليبقى السؤال المطروح أردنياً: ماذا نحن فاعلون بخصوص الملفات المتعلقة بنا، وفي مقدمها ملف اللاجئين؟...مرة أخرى هل من “خطة ب” ؟(الدستور)