بواكي مبارك !

في حدود علمي ورصدي، لم يبك على مبارك أحد إلا اليهود، ولم يقف من الحكم عليه بالمؤبد موقفا أقرب ما يكون إلى الرضى اللابس ثياب « العقلانية» إلا من كان يرى فيه المثل الأعلى، أعني مرشح الرئاسة أحمد شفيق، أما شعب مصر، فقد انتفض رافضا الحكم، باعتباره مخففا، ونزل إلى الساحات والشوارع مطالبا بإعدام الرئيس المخلوع، وعدم تبرئة نجليه ومساعدي وزير الداخلية المخلوع!
أكثر الكلمات «تأثرا» كانت كلمات فؤاد، وهذا هو اسمه قبل أن يصل إسرائيل مهاجرا من العراق، وهو الآن عضو في كنيست العدو الاسرائيلي ووزير حرب سابق ، ويحمل اسم بنيامين بن اليعازر ، فؤاد حزين حزنا عميقا، ازاء إدانة مبارك. ويتحدث بحزن عن «اسهام مبارك في استقرار الشرق الاوسط على مدار الثلاثين عاما الماضية» واصفا إياه بانه «كان كبيرا» يمضي فؤاد في رثاء صديقه: كل الذين يعرفونه على المستوى الشخصي يدركون ان الشرق الاوسط بعد حكمه ليس هو نفس الشرق الاوسط وان التغيير ليس للأحسن» وهذه شهادة لا يحتاجها أحد، لمعرفة ماذا قدم المخلوع لأصدقائه!
لو نزلنا قليلا إلى شارع العدو، لرأينا نوعا من الهستيريا التي دبت فيهم، بعد أن فقدوا «عميلا كبيرا» بالفعل، فقد غصت المواقع الإلكترونية الإسرائيلية بألوان قذرة من التعليقات، معظمها في سياق «شتم» الشعب المصري ووصفه بالمتخلف، ومن بين ما جاء في التعليقات: رغم كل ما قام به مبارك إلا أن الشعب المصري سيشتاق لعهده/ هؤلاء المسلمون تشوبهم الهمجية/ لقد ضاع السلام بين إسرائيل ومصر/ البعض ذهب إلى تحميل الرئيس الأمريكي أوباما مسؤولية المحاكمة وعدم تأمين الغطاء اللازم لمبارك. وقال معلقون آخرون : لو لم يكن المصريون همجيين كما نراهم في البث المباشر لما تمكنت إسرائيل من البقاء وسأترك التحليل لكم». كما علق البعض الآخر متسائلاً «هل هذا ما يسميه المصريون ربيعاً؟، بل هذا شتاء لا يبشر بالخير!». (هذا القول يذكرني بمقال قرأته على أحد المواقع المحلية يشتم الإصلاحيين، والربيع، ويصفهم بكلام شبيه بهذا، أعداء الربيع لغتهم واحدة!).. لا أستغرب أن أقرأ أيضا من يقول مع اليهود: «لقد كان مبارك أفضل رئيس لمصر منذ استقلالها. حافظ على الأمن والاستقرار وحافظ على السلام. المشكلة أن مصر عبارة عن مجتمع متطرف ومتدين ومتخلف وبدا ذلك جليا بالهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة في الشهور الماضية». معلق آخر وصف الحكم على مبارك بأنه عار على الإنسانية صابا جام غضبه على الدول التي تدير العالم ولا تقوم بمساعدته، فيما اقترح معلق آخر إرسال وحدة إسرائيلية خاصة تعمل بسرية على تحرير مبارك من سجنه دون أن يشعر أحد بذلك!
هؤلاء هم بواكي مبارك، وما قالوه وما سيقوله أمثالهم، يؤكد أنهم بالفعل فقدوا «صديقا» كبيرا لدولة العدوان والبغي، ولا عزاء للقتلة والمجرمين، وأذنابهم وعملائهم، وكتبتهم من الأميين وطنيا وثقافيا ايضا!
علق أحد المصريين على الحكم بالمؤبد لحسني لا بالإعدام قائلا: يروى أن الحجاج بن يوسف الثقفي , نزل الى أحد الأنهار ليستحم فكاد أن يدركه الغرق , فهب اليه أحد حاضريه فأنقذه من الغرق , فلامه أصحابه لعلمهم بكراهيته له , فما كان منه إلا أن قال « ما حملني على إنقاذه إلا كراهيتي أن يموت غريقا فيدركه ثواب الشهداء « . فإني والله لأرجو ألا يصيب الرئيس السابق أي أذى , بل على العكس , إني لأتمنى له عمرا مديدا يرفل في اللذائذ والتنعم , ثم يرد الى الله فيوفيه حسابه , إنما يكفيني أن تم إعدامه أدبيا واعتباريا ومعنويا من جموع الشعب المصري! ( الدستور )