التباسات السياسة الإسرائيلية إزاء المجريات السورية

وفق ما ذكرته تقارير صحفية نشرت قبل نحو شهر على مواقع إلكترونية إسرائيلية معروفة بصلتها مع الدوائر الاستخباراتية، فإن الوحدات العسكرية السورية المرابطة في مواقعها على جبهة الجولان، وهي قوات محدودة العدد والعتاد بموجب اتفاقية فك الارتباط الموقعة عام 1974، قد انقطعت عنها الإمدادات ومختلف الخدمات اللوجستية، بعد تسخير مقدرات الجيش السوري للمناطق المشتعلة، الأمر الذي ترك حماة الديار على الحدود الجنوبية لشأنهم الخاص بهم، يتدبرون بأنفسهم تأمين سبل حياتهم اليومية.ومضت تلك التقارير، التي يمكن أخذها بتحفظ، في شرح حال الجنود السوريين المعزولين عن مركز قيادتهم، قائلة إن المعسكرات باتت مفتوحة للصوص، وإن الأفراد هائمون على وجوههم، يبحثون عن الطعام بما يتيسر منه، حتى وإن كان من الثمار والبقول المتاحة، بل وزعمت أن المستوطنين يلقون بسلال الطعام من وراء السياج أحيانا، حيث ينتظر الجنود الجائعون بعض الوقت، ثم يقبلون على نقل الطعام إلى مهاجعهم، بعد أن يتأكدوا من انصراف المستوطنين.وإذا ما صحّت هذه الرواية المثيرة للخجل والأسى، فإنه يمكن القول إن إسرائيل التي تسترق السمع بأجهزة التنصت المقامة على تلال الهضبة المطلّة على دمشق، وتعرف ما يدور في أروقة العاصمة السورية، قد باتت ترى بأم العين جانبا من الصورة المنقولة عبر البث الفضائي المباشر، وتشاهد عن كثب المجريات الواقعة تحت أنفها، بالمناظير العسكرية القوية وبالتقارير الاستخباراتية، الأمر الذي يمكنها من إجراء تقدير للموقف، ومقاربة حيثياته، على نحو أفضل مما هو متاح لغيرها.ولعل السؤال، والحالة هذه، هل الإحاطة الإسرائيلية شبه الكاملة بالمتغيرات الجارية داخل المشهد السوري، أدت إلى كل هذه الارتباكات في الموقف السياسي المعلن لدى الدولة العبرية إزاء تطورات الأزمة المتفاقمة في الجارة الشمالية؟ وبالتالي ما هو الأمر الذي تتحسب له إسرائيل ويمسك بلسان قيادتها السياسية عن الثرثرة حوله، وهي تسمع بأذنها الالكترونية، وتشاهد قبضة بشار الأسد تتراخى وتفقد المزيد من سيطرتها على الجبهة التي كانت أكثر أمنا لها من بقية الحدود مع الدول العربية؟إذ فيما لا يتورع قادة الأمن الإسرائيليين، بمن فيهم المتقاعدون والجنرالات المتخاصمون، عن الإدلاء بدلائهم في بحر أزمة تحولت إلى تمرد شعبي شامل، بين مبشر بقرب سقوط الشيطان الذي يعرفونه جيداً، وبين محذر من خطر قدوم الشيطان الذي لا يعرفونه بعد، تمتنع حكومة بنيامين نتنياهو عن الخوض في غمار المسألة المستقطبة لسائر اهتمامات دول الشرق والغرب، وتحظر على سائر وزرائها المولعين بالكلام أمام العدسات التعبير عما يمكن أن يشكل موقفا رسميا للدولة التي داهمها الربيع العربي بمدخلات لم تكن تتوقعها من قبل.ومع أن ما يجري في الدولة التي تعتبر نفسها قاعدة لمعسكر الممانعة، أمر يهم إسرائيل ويخاطب عقلها الاستراتيجي تماماً، إلا أن هناك شيئا آخر يشغل بالها أكثر من غيره، ويستبد بحساباتها المستقبلية على نحو أعمق من موضوع دخول القاعدة على الخط، وصعود الإسلام السياسي إلى سدّة الحكم في دمشق، ونعني به مخزون الأسلحة الكيماوية السورية، هذه المخزونات التي تخشى كل من الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل معاً من وقوعها بين أيدي المجموعات الإرهابية، وذلك إذا ما عمت الفوضى ودنا موعد غروب شمس العائلة الأسدية.إزاء ذلك كله، فإن ما يبدو على انه تخبط وارتباك في الموقف الإسرائيلي منذ اشتداد ساعد الثورة السورية، ما هو إلا حالة تمويه سياسية مؤقتة، مشحونة بالترقب والتربص، والاستعداد المنسق مع القوى الغربية، في انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض على المخزونات الكيماوية هذه، ووضع اليد عليها مباشرة، بزعم الحؤول دون نقلها إلى حزب الله، أو حتى وصولها إلى القاعدة، وهي ذرائع تبدو وجيهة في نظر المجتمع الدولي، إلا انها تمثل جوهر الالتباسات الراهنة لدى مواقف إسرائيل، إزاء التطورات السورية. ( الغد )