شامة على خد الشمس

كعادتنا نحن البشر، لا يلفتنا شيء، ولا يخلق لنا دهشة، أو نشوة، إلا إذا اختلَّ مسارهُ، أو انقلب ليلهُ، وتبدد نهاره، أو لاذ في جوف الغياب، وأصبح شامة سوداء تعبر خد الشمس!.
فمع أن السماء كتابٌ مفتوح، وسانح للعيون، إلا أن هذا العصر جعل الكثير منّا لا يجيد قراءة السماء، ونجومها، وكواكبها، ومجراتها، فما زال في الكواكب جمال أخّاذ، فارفعوا رؤوسكم؛ فثمة أشياء تستحق القراءة وتجلب المسرة!.
منذ عصورٍ وكوكب الزهرة نبراس إعجاب لبني البشر، وبيت دهشة لهم، ومحطُّ اهتمام وفضول وتساؤلات وخرافات. فهذا الكوكب عبده الذي حاور سيدنا إبراهيم عليه السلام، كما ورد في القرآن، حتى أفل (غاب). ثم عبد القمر بعده، فلما توارى، عبد الشمس؛ فهي أكبر!.
والزهرة في الميثولوجيا (علم الأسطورة) اليونانية هي افرودايت، وتمثل سيدة الجمال والرغبة والحب، فهي قد ولدت من الجريمة الأولى، كما تدعي الأسطورة!، فعندما خصى كرونوس أباه أورانوس بمنجل قدمته له والدته!، رمى العضو المقطوع من الجسد من قمة الأولمب (مركز الأسياد) إلى لجة البحر، حيث عَامَ ونزف دماً وبذوراً. ومن تمازج الزبد، ولدت عذراء جميلة، طويلة، عارية مبتلة، إذا سارت على الرمل انقلب الرمل عشباً وأزهاراً.
هذه العذراء هي افرودايت، ويمثلها كوكب الزهرة، ومن العجيب أن المرض الجنسي (الزهري) قد أخذ اسمه منها، ربما كظل لسيدة الرغبة، والحب الحرام!. والزهرة في المعتقد البابلي القديم تمثل «عشتار»، أو عشتراوت، وهي سيدة الحب والزواج والعطف، والغيرة أيضاً.
ولدى شعوب أمريكا اللاتينية القديمة قصة طريفة لطيفة عن كوكب الزهرة، فهي أصغر أولاد الشمس (الشمس في معتقدهم مذكر، والقمر مؤنث!)، وهذا الكوكب المُدلل (الزهرة) لا يرى أباه أبداً، فهو إما أن يحضر متأخراً، كما يحدث عند الغروب. وبعد مغيبها يبزغ الزهرة، فيبكي؛ لأن أباه الشمس، غاب ولم ينتظره.
وفي الصباح وقبل أن ينشق الفجر، نرى كوكب الزهرة يبزغ من الأفق الشرقي وينتظر بصبر!، لكن الشمس هي التي تتأخر هذه المرة، فالزهرة بزغ باكراً، إي أنه الكوكب الذي يأتي باكراً، أو متأخراً. اقرؤوا السماء.
يوم أمس دخلت الزهرة في جوف الغياب. بل سارت الهوينى كشامة سوداء على خد الشمس. وخرجت دون بلل، أو احتراق، أو عطب. ومما زاد دهشتي، أن الأشياء (كل الأشياء) لا تقرأ في حضرة الشمس وضيائها، إلا على سواد، أو سوداء كشامة عابرة!. ( الدستور )