آخر العلاج الرش!!

يقول العرب: «آخر العلاج الكي»؛ لشدة أذاه وآثاره التي يتركها على الجسد، ولخطورته أيضاً.
ولكن العرب لم يكتشفوا قبل أن يمن الله علينا ببعض الفصحاء من النطاسيين المميزين لاختراعهم علاجاً جديداً، ليكون هو الأخير، وبالضربة القاضية.
بعض الكتبة المتنورين جداً الذين تلقوا تعليمهم في الخارج، أو من الخارج يتصدون اليوم لتطهير المجتمعات والأفكار والآراء المخالفة لهم برش ذي مفعول فوري فتاك.
عجبا لهم! نعم هناك من يكره الإخوان المسلمين أو القوميين واليساريين والمسيحيين، وأحياناً بدون سبب منطقي -ومن حقه ذلك- وإنما تبكي على الحب النساء، لكن محوهم عن الوجود الحسي أو المعنوي لا يمكن إلا بالإفناء والقتل الفوري، ولا وسيلة إلا الرش بمبيدات جرثومية وكيميائية فعالة، ولكن من الناس من يتمنى أن لا يرى في الأردن إلا من يسبح بحمده ويكون تابعا له، دون عقل ويضع خده على الأرض فراشاً لقدمه الطاهرة مع عدم لمسها إلا بواق مانع! وهكذا تمنى شارون أن يبتلع بحر غزة المتوسط ومن فيه، وهذا علاج بالابتلاع لكنه لم يستخدم اليوم.
ويظهر جلياً أن الأمر لم يتوقف عند شارون فقط، فعندنا شارونيون كثر؛ فهم لا يستطيعون التصريح بما في أنفسهم، إنما يعترفون للبعض بالمساكنة وليس بالمواطنة التي هي ليست منة من أحد، وهناك محددات لهولاء المساكنين المساكين، فهم لا يصلحون إلا لبعض الأشياء! وليس لهم أن يمارسوا إلا بعض الممارسات التي يحددها الكتبة، كتبة الوحي الشيطاني!
أدهشني هذا الخطاب المقدس المعصوم، الذي يطلقه بعضهم في كيفية التحكم بالناس وتحديد صلاحياتهم زمنياً ووظيفياً وكأنه النبي! لا، الذي أُرسل بعد محمد عليه الصلاة والسلام أستغفر الله.
ماذا تفعلون بأكثر من أربعين بالمائة من الشعب الأردني يتحملون المغارم ويدفعون الضرائب، ويشاركون في خدمة العلم يوم كان العلم يخدم حقاً وصدقاً، ويحولون المليارات من بلاد الاغتراب إلى بلدهم الأردن. يظهر أن اصحاب النظريات التقدمية جداً تستدعي محوهم عن الوجود ليستريحوا! وهكذا لكل فئة أو حزب أو هيئة أو شخص أو مجموعة، أشخاص كارهون أو مخالفون فهل الحل بإفنائهم ومحوهم عن الخارطة مادياً حسياً أو معنوياً كما يروج هؤلاء بلسان الحال.
نحن مجتمع تعددي فسيفسائي نفخر به، يجمعنا دين واحد ديناً أو حضارة حتى لو تعددت دياناتنا واختلفت أصولنا المتحركة دائما، والأعلى فينا نسباً الأكثر نفعاً لغيره، والأوسع صدراً، والأكثر انتماء لشعبه وأمته.
إن الذين يستكثرون على بعضنا حق التظاهر الديمقراطي السلمي، إلا برخصة من عقولهم وأمزجتهم المتلونة المتحركة، ليسوا من الأردنيين بشيء حتى لو حرفوا الكلمات وقنعوا أهدافهم الخفية بأقنعة براقة فهي مكشوفة ومخادعة.
ليس لأحد أن ينصب نفسه وصياً على الآخرين فكراً أو نسباً أو أصلاً أو ديناً أو مذهباً وعقيدة.
المواطن الأردني من حقه أن يتمتع بما كفله الدستور والقانون، وحق المواطنة الإنساني العالمي وهذا لا يقلل من مسؤولياته الاخرى تجاه فلسطين المحتلة والإصرار على التحرير والعودة، وفي الوقت نفسه بناء الأردن سيادة وكرامة إنسان وحرية وعدلا ونماء، فليس هناك أي تعارض بين مشروع التحرير الفلسطيني الاردني العربي الاسلامي لفلسطين المحتلة، وبين مشروع التحرر والسيادة الشعبية الكاملة للاردن والاردنيين جميعا.
أملنا أن يتوقف الذين يرسمون الحدود السايكوسبيكية الجغرافية للعمل السياسي جغرافيا وفكريا، ولا سيما أنهم ينسون أنفسهم أنهم كانوا يتحدثون عن أفكار إنسانية واسعة جدا، وهل ذهب شعار كلنا اردنيون لبناء الأردن، وكلنا فلسطينيون لتحرير فلسطين؟!
إن نقاط التخوف التي يضخمونها، يمكن حلها والتفاهم عليها بسهولة ويسر وهي لا تخيف، إلا الخائفين والمرجفين عمداً لحرمان الأردن من الحرية والكرامة وعودة السلطة للشعب تحت ذرائع واهية وحجج متهافتة.
تحية لكل أردني واردنية في مدن الاردن وأريافه ومخيماته وبواديه وعشائره، من شماله الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه، يحمل رسالة الإصلاح الشامل، ولا يلتفت إلى المشعوذين شعوذة سياسية ممجوجة، وأخيرا: هل كلما اختلفتم مع فئة أو حزب أو تجمع وجب شطبه عن الخارطة، أم إن هناك وسائل أخرى يجب اتباعها لاستيعاب المخالفين؟ ( السبيل )