.. رحيل التويني!

برحيل غسان التويني تكون الصحافة العربية قد فقدت مهنياً رفيعاً، ومفكراً، وسياسيّاً.. فقد عاش الرجل طويلاً.. ونظن أنه وصل قمة العظمة حين وقف إلى جانب كمال جنبلاط، وريمون إده، وصائب سلام في اسقاط عهد بشارة الخوري دون إراقة قطرة دم، ودون عسكر.. وتصدر المقاومة المثقفة لتنامي النفوذ السياسي «للمكتب الثاني» في عهد الرئيس شهاب.. فسجن الرمل يعرف غسان التويني وهو يحمل ثيابه قادماً أو مغادراً لكنه كان أبداً مرفوع الرأس.
هناك تصوّر بأن المثقف الصحفي هو «مشروع شهيد» أو أنه يقاوم بالمبدأ والنظافة والحكمة، لكن غسان كان دائماً الصقر الذي يملك إلى جانب الفكر والعقيدة، جرأة الرد القاسي. وقد لا يعرف الكثيرون أنه حين أصبح هدفاً للاغتيال، أو إحراق «النهار» أيام «الدكتيلو» التي يحب الساسة الخفيفو الظل تسمية المكتب الثاني بها، فإنه بعث لها إنذاراً بأنه يملك معلومات عن اتصالات قيادات عسكرية بإسرائيل.. وأنه في حال اغتياله أو احراق النهار سيقوم من استودعه هذه المعلومات بنشرها، وهكذا اجتاز المرحلة الصعبة ناجياً بجلده، .. لا كما سقط رفاقه المميزون: كامل عروه، ورياض طه، وسليم اللوزي والعشرات الذين سقطوا فيما بعد ومنهم جبران غسان جبران التويني..
وكنت والصديق علي غندور قبل أعوام قليلة «نتحمض» على زيارة بيروت، لحضور مجلس أمناء مؤسسة فكر سعادة، ولقاء غسان وهشام شرابي في أواخر أيامهما، وفشلنا .. فالظروف لم تكن تساعد. ومضى هشام وها أنا أودع غسان دون أن أمشي وراء جثمانه الطاهر!!.
لقد شبع غسان تويني من المجد، فغسان تعدى عمر النسر كما يقولون، وقد عاد إلى المجلس النيابي بعد اغتيال ابنه النائب جبران.. وبقي ذهنه يلتمع إلى الأشهر الأخيرة.
( الرأي )