جمعة الفنانين
خطوات تصعيدية متتابعة اتخذتها نقابة الفنانين الأردنيين، وأخرى أعلنت عنها، للمطالبة بحقوق الفنانين، ومنها بدء اعتصام مفتوح أمام نقابتهم يوم غد الأحد، ردا على تجاهل حكومات متعددة لمطالبهم، وتنديدا بسياسات رسمية قادت إلى تراجع الحياة الفنية في الأردن.
وفي الوقت الذي يعد فيه هذا التصعيد أول حركة احتجاجية يقوم بها الفنانون في تاريخ الحياة الفنية الأردنية، فمن المفترض أن تقدم صحوة الفنانين إضافة نوعية للحركة الاحتجاجية الوطنية والحراك الشعبي؛ فالفن في صلب السياسة وفي عمق معركة رغيف الخبز أيضا، فهل ننتظر قريبا "جمعة الفنانين" في وسط العاصمة ومدن وبلدات المحافظات، تعبيرا عن انحياز الفنانين للحركة الإصلاحية، وانتصارا من القواعد الشعبية العريضة والتنظيمات السياسية والمدنية لهذه الفئة؟
مثلما تنظم "جمعة قوت المواطن خط أحمر" و"جمعة مكافحة الفساد" و"جمعة الوطن"، ويتم الخروج بمسيرات ووقفات احتجاجية منذ ما يقارب العامين، ألا يستحق الفنانون من الحراك الشعبي جمعة تلفت الانتباه إلى صناع الإبداع والحياة، أولئك الذين يضعون اللمسات الأخيرة على صور الأوطان ومضامين الهويات، لا أن يطلع بعض الأئمة بالتزامن مع تصعيد الفنانين بالدعوة إلى إلغاء مهرجان جرش؟
لا نريد أن نكرر الحديث عن أهمية الفنون ودورها في كافة تفاصيل الحياة، ودورها في مسار بناء الدولة وبلورة الهوية، والقيمة المضافة التي تحملها للاقتصاد، لكن أحد الدروس العميقة للاختلالات التي شهدتها الدولة الأردنية على مدى العقدين الماضيين يمكن أن نقرأه بوضوح في صفحة تراجع الفنون. وحينما نرى الفنون جزءا من نسيج الحياة اليومية للناس، وطريقتهم في التفكير وفي السلوك، وليس مجرد أغنية ورقصة ولوحة، فإن الدرس العميق يمكن أن نلاحظه في تأثير تراجع الفنون فيما فعله الفاسدون في الحياة اليومية، وفي الثقافة الشعبية، وفي تنامي الهويات الفرعية. بالفعل، وبكل بساطة، إذا أردت أن تعرف حجم فوات الدولة وكيف ضربت تلك الاختلالات جهازها العصبي، استمع لأغاني الأردنيين هذه الأيام في أفراحهم في الشمال والجنوب وفي الوسط، وقد أصبحت بدون لون ولا هوية، ولم تعد تحمل لا لون الثقافة الشعبية ولا تراثها. وهذا التطور الخطير لا يقل خطورة عن أزمات الاقتصاد والطاقة في منظور بناء الدول في المدد الطويلة. وليس بعيدا عن ذلك كيف ساهم تراجع الفنون في نمو سمات غريبة باتت تتسم بها الشخصية الأردنية؛ خذ على سبيل المثال العنف والميل للعصبية والانفعال المفرط.
ماذا يريد الفنانون؟ استكمال إخراج الشركة الأردنية للإنتاج الفني التي تم التوصل إليها مع المعنيين في الديوان الملكي، كمشروع وطني لم يف به المسؤولون رغم الوعود؛ وتفعيل دور مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية باعتبارها النافذة الإعلامية الوطنية التي تترجم الهوية والخطاب السياسي والاقتصادي والاجتماعي من خلال النتاج الإبداعي الغنائي والدرامي. هي مطالب أساسية تنطلق من دور الدولة في رعاية الثقافة والفنون، كما يحدث في كل بلاد الدنيا التي تحترم ذاتها، بعيدا عن التسويف وتكرار إنتاج الفشل لعشرات المشاريع الفنية والثقافية التي لم تر النور، مثل صندوق الثقافة والفنون، ودارة الثقافة والفنون، ودار الأوبرا في عمان، ومدينة الإنتاج السينمائي في العقبة.
حينما تصل مطالب الإصلاح الى الثقافة والفنون، وحينما تشمل قائمة مطالب الناس مصادر جديدة للطاقة وفرص عمل وتعليم جيد ومسارح في المحافظات ورعاية وحريات للفنون؛ نطمئن على جوهر الحركة الإصلاحية؛ بل تأكدوا أن هذا ليس ترفا. ( الغد )
