ذكرى هزيمة؟.. أم واقع نعيشه؟

كنا على وشك أن نغرق في متابعة تقييماتنا لتطور الحراك الشعبي الذي تتصلب عضلاته، هذه الأيام، فلا يكاد يقوى على التقدم خطوة واحدة، عندما ذكّرنا أحد الحضور أن اليوم هو الخامس من حزيران؛ وتساءل: «لماذا بات القلائل يتذكرون هزيمتنا أمام إسرائيل، يومها؟ هل أصبحت نتائج تلك الحرب نهائية، فعلا،ولا مجال لردها؛ أم ماذا؟»
لم يفاجئ السؤال أحدا، على ما أظن، فهل كان سؤالا فائضا عن الحاجه؟ لذا حملته لأطرحه على آخرين لم يسمعوه. تبين لي بأن أحدا لا ينسى الواقعة؛ بل إنهم، غالبهم، إن لم يكن جلهم، من الذين يرون أن حرب 1967 لم تكن سوى معركة واحدة، محدودة بالزمن والهدف منها، من سلسلة معارك في حرب طويلة ما تزال تشنها إسرائيل علينا كل بضع سنوات، تكون السنوات الفاصلة بين الواحدة منها والأخرى، سنوات تستعد فيها للمعركة التالية بالتسلل خلف خطوطنا والعمل من هناك.
قراءة علمية واحدة لحركة التاريخ منذ الخامس من حزيران/1967، تثبت لنا ذلك. فقد استمرت حرب حزيران في الأردن، نيفا وثلاث سنوات حتى نهاية سنة 1970، ولم تتوقف؛ ولم تتوقف في مصر، أيضا، حتى توفي جمال عبد الناصر، فاستؤنفت بطرق أخرى ولأهداف أكثر شمولا انتهت بعزل مصر عن أمتها؛ واستمرت في سوريا حتى تسلمها حافظ الأسد، فكف يد سوريا وأدخلها، بدل المواجهة الحقيقية معها، في صراعات أنهكت الأمة لصالح إسرائيل ومخططاتها؛ وتواصلت، في لبنان، لأكثر من 32 عاما، لتستعر بقاياها التي لم تحسم، على مستوى الداخل؛ واستمرت، في العراق، حتى يومنا هذا، لتدمر دولته وتخرجه، مرة واحدة ولفترة طويلة، من ساحة المعركة .
ثم شنت الحرب في ليبيا فدمرتها وكادت تخرجها عن أمتها؛ وفعلت فعلها في الجزائر والسودان واليمن؛ ثم خلقت حالة مسممة في الخليج تقف اليوم، كسيف ديموقليس، معلقة فوق رأس شعوبها بخيط واهن تقطعه أية اهتزازات حوله ليسقط، فيصيب كل الأمة، في مقتلها.
كان السائل أردنيا، لذا وجب التذكير بأن هدف إسرائيل الأول والأكثر أهمية، من كل حروبها على الأردن، بشكل خاص، كان دائما التعرض له لتدميره أو إضعافه فيكون مكانا تحل، فيه، وعلى حسابه، كل مشاكلها.
لقد اتصلت معاركها، علينا، وانتصر شعبنا في كل مواجهة معها، فاكتسب، لطول فترات الصراع، مناعة خاصة به قادرة على محاصرة اختراقاتها، وقتلها بمنع الدم من الوصول لخلاياها لتسقط على ترابنا تختنق به، وتموت.
على أننا، كأردنيين وكعرب، لم نسلم تماما، فما زلنا نعاني من آثار هزائمنا معها، نحملها، ندوبا على أجسامنا، وفي حس البقاء لدينا، نعيشها كل يوم على شكل نظام حياتي يطبع كل ما نقوم به بطابعه، ويتكفل هو، بتلقائية خاصة به، ببقائه في مركز وعينا بغير انقطاع.
ليست هزيمة حزيران ذكرى نعود إليها مرة في العام، بل واقعا نعيشه وسنبقى نعيشه يوما بيوم حتى نجد وسيلة لردها ودفنها في مقبرة التاريخ بعيدا عن مستقبلنا ومستقبل أجيالنا. ( الرأي )