شفيق.. يا راجل!!

1-مدخل
لم يكن يخطر ببال أحد أن يحصد شفيق ما حصد. هذا الذي استقبل في مصر بالأحذية ويعتبره الجمهور العريض في مصر استنساخاً لمبارك، بل يعده قطاع عريض أخطر لأنه أذكى وأدهى.. والعمالة واحدة. هذا النكرة يخرج من المجهول ليفاجئنا به مبارك رئيساً للوزراء في أيام شدته وزنقته. إذن هو ورقة الاحتياط في يد مبارك، وفي الليلة الظلماء يستدعى سيء الذكر شفيق والعصابة.
والشعب المصري يرش على الموت سكر -كما يقولون- ويتغلب على صخرة الواقع بإسفين النكتة.
فقد روجوا مقطعاً من مسرحية كوميدية قبل أكثر من ثلاثين سنة لممثل أو لشخص يعرف نفسه باسم شفيق، فلا يستحضره الممثل الثاني، فيسأل: شفيق مين؟ فيقول له: شفيق يا راجل، وتتكرر المسألة مرات ومرات. فكل مؤهلات شفيق أنه شفيق.. يا راجل!
2- بيلين ومقاله.
في مقال للثعلب الإسرائيلي: يوسي بيلين، تحت عنوان: نهاية طريق الضابط الرابع، ونشرته الصحف يوم 9/6/12 قال: كان الأول محمد نجيب وجاء بعده العقيد عبدالناصر وبعده السادات، وبعد القتل حانت نوبة قائد سلاح الجو السابق مبارك. وقد حكم مصر سنين أكثر من كل أسلافه معاً، وأبقى طريقة الحكم على حالها فبقيت صلاحيات الرئيس الضخمة، ومجلس شعب دمى (هكذا بنصه وفصه) وشرطة سرية. ثم يتذكر بيلين أول لقاء له مع مبارك حينما كان نائباً للسادات (يعني قبل أكثر من 35 سنة). ويذكر كيف نصح اليهود: هل تريدون تأبيد هذه المشكلة من أجل بضعة مستوطنين يمسكونكم من مكان حساس؟
اجلسوا إلى الفلسطينيين وانهوا الأمر. (هل لاحظت الرسم البياني النازل من عهد محمد نجيب إلى محمد حسني؟) ثم يصف ما كان زمن مبارك من جهل وفقر وفروق مخيفة وفساد وطمع وسنين طويلة في الحكم. ولم يعد مبارك يتبجح بفعل شيء سوى إنشاء ذرية تخصه تحكم بعده. وقد تجرأت مرة أن أسأله عن نقل السلطة إلى أيد مدنية وإجراء انتخابات ديمقراطية تفضي إلى إعداد دستور ديمقراطي، فأجاب من غير أن يبتسم (مع أن بيلين وصف ضحكه وابتسامه معهم وانفتاحه كمن يقزقز اللب بالتعبير المصري، وعن غياب أدب المراسم -حسب تعبيره- وكان أكثر من مرة يضرب رجل محدثه كولد متأثر عاد من مشاهدة فيلم، هكذا يصفون زعماءنا) نعود إلى البلية بيلين وجواب مبارك بلا ابتسام: «ستكونون الأولين الذين يضر بهم ذلك» يعني بالعربي من غير لغة الترجمة: أنتم بالتغيير أول الخاسرين.
ولن أعلق على كلام الثعلب صديق مبارك وصديق كثير من الزعماء العرب، ولا على قوله في نهاية المقال: الدولة الكبرى (مصر) تستحق زعيماً يقضي على تخلفها الفظيع وينقلها إلى القرن الواحد والعشرين، ثم قال: «فهل سيكون الزعيم الذي سينتخب في الأيام القريبة هو الذي سيغير وجه أرض النيل، أم يحقق التهديدات التي حذرنا مبارك منها»؟
بهذا التساؤل أنهى الخبيث الماكر مقاله، ووضعك بين خيارين: إما شفيق الذي سينقل مصر إلى القرن الواحد والعشرين، وإما مرسي الذي سيحقق التهديدات التي أنذر وحذر منها مبارك» وقد أوحى لك بالجواب! وهنا مربط الفرس ومربط «النعامة».
3- تقرير الإيكونومست.
وفي تقرير للإيكونوميست البريطانية يصف شفيق بأنه قائد القوات الجوية السابق (المنصب الذي وصله مبارك قبل الرئاسة!)، الذي كان آخر رئيس وزراء موثوق به لدى مبارك.
(2/6/12) وفي التقرير أن الليبراليين يقولون وحسب الإيكونومست: «إننا لا نستطيع البوح بذلك جهاراً إننا سندعمه!» ويختم التقرير بالقول: «يدمدم الثوريون الغاضبون بأنه إذا نجح شفيق في الانتخابات الرئاسية، فإنهم سينزلون إلى الشوارع ثانية، وهكذا فإن مصير مصر سيظل معلقاً في الميزان».
قلت: وهذا أيضاً بيت القصيد؛ فالخارج الذي يدعم شفيق يريد لمصر هذا المصير: اضطراب وعدم استقرار، ليتحقق مخطط الشيطان (مبارك)؛ إما نهج مبارك وإما الفوضى!
4- تناقضات شفيق
يزعم شفيق أنه ثائر ومع الثورة والثوار، وهذا الزعم يستطيعه كل أحد، ومؤهله فقط أن يكون كذاباً صفيقاً بلا حياء يراهن على عدم وعي الشعب، ودعم الخارج وأن الناس بلا ذاكرة.
ويزعم شفيق أنه سيحول ميدان التحرير إلى هايد بارك مصر تشبهاً بالذي في لندن. وهذا تناقض وكذب؛ فهو الذي قال: إنه سينهي كل مظاهر الثورة والفوضى والفوضويين.
وقال إنه سيبني مركزاً ثقافياً في كل قرية وكفر، وقد كانت وزارة ثقافة في عهد صديقك مبارك ومعلمك فماذا كانت تؤدي غير محاربة الإسلام ومحاربة القيم وتمجيد الفرد؟ ومن يضمن ألا تصبح وزارة الثقافة مفرّخة للتضليل والتزييف؟
وقال شفيق إنه إن انتخب سيكون رئيساً لكل مصر، ويأبى إلا أن يكذب نفسه بنفسه، فقد شن يوم الجمعة حملة شديدة على الإخوان ردد فيها كل كلام أمن الدولة وكرر كلام «مسيلمة سليمان» أعني عمر سليمان الذي قال وكرر وراءه الشيطان الأصغر أعني شفيق فمثّلا معاً «شفيقة ومتولي».
كرر سليمان وشفيق أن الذين قتلوا الناس في ميدان التحرير هم الإخوان يعاونهم مجموعات من حماس خرجت من قطاع غزة، وسرقت عربات من الأمن وأطلقت المساجين من السجون وهي التي داست الناس في الشوارع، الكذاب لا يكون رئيساً! والرئيس يجب ألا يكون كذاباً.
لقد مللنا رئاسة الكذابين والمسيلمات الصغار والكبار. إن نجاح شفيق يعني عودة مبارك على أشرس ما يمكن، وعودة الأمن وقبضته الحديدية على أعناق الناس.
5- من يدعم شفيق؟
إنه لا يدعم إلا من عدم عقله وضميره وقلبه وحبه لمصر وكره شعبه، وعادى دينه وقيمه وسفه نفسه.
والخارج كله بالطبع في دعم شفيق؛ لأن الغرب لا يريد لنا بديلاً عن الدكتاتوريات المذلة للشعوب، والناهبة للثروات المفقرة للناس والمفلسة للدولة، والحارسة لـ»إسرائيل».
والإعلام المصري والإعلام العربي العميل والبترودولار كله يصب لصالح شفيق.
ونبرة مجرمة يتولاها الإعلام المصري مفادها: لا للعسكر، لا للمرشد. ويرفعون شعار: المرشد والجنرال. وهذا في الظاهر، وإن كانوا في الحقيقة يدعمون شفيق سراً كما نقلت عن الليبراليين الباطنيين المصريين.
وتدعم شفيق مجموعة من الفنانين وقد نشرت وسائل الإعلام أن شفيق دعا مجموعة من الفنانين إلى حديقة فيلته، وأنهم سهروا يخططون حتى مطلع الفجر، وكل الأسماء المعروفة كانت هناك.. والذي كان مسافراً كنور الشريف اتصل معتذراً.
6- اليأس في دعم شفيق.
ومن أسوأ وسائل وأساليب الإعلاميين «التوابع والعملاء» ما يرددونه من نبرة يأس وإحباط. وقد قرأت لعدد منهم تردادهم لمقولة لن أصوت لمرسي ولا لشفيق، وسأفسد ورقتي حتى لا يستفيد منها هذا ولا هذا، وهذا كذب أيضاً، وإن صح فهو مؤامرة.
إنهم يراهنون على تفتيت الأغلبية الصامتة أو المتوسطة كما يسمونها؛ لأنه يفترض أنها الكتلة الصلبة المؤيدة لمرسي.
وكما قال الأستاذ هويدي أنقله بلفظي: الفرق بين مرسي وشفيق: أن الثورة قامت ومرسي في السجن، وشفيق على كرسي رئيس وزراء يوجه البلطجية لوقعة الجمل، يرد بذلك على نبرة التسوية بين الضحية والجلاد.
والأقباط عليهم عتب شديد، فالمفروض أنهم مواطنون ينتمون إلى هذا الوطن لا إلى عصبيات وطائفيات ومصالح ضيقة.
وشفيق ليس ينتمي لا إلى مصر ولا لشعبها فكيف تنتمون إليه؟ يذكرني شفيق بفيلم مصري قبل أكثر من أربعين سنة: «شفيقة القبطية» لكن شفيقة القبطية كانت منتمية وطنية والأقباط المنتمون لشفيق غير منتمين. إن الذي ينتمي إلى من خربوا مصر لا يعقل أن يكون مقدماً حب مصر على أحقاده. ومتى تعصب الإخوان ضد الأقباط؟ إنهم من عهد مرشدهم الأول كانوا على أحسن علاقة مع الأقباط، ومكرم عبيد كان على أوثق صلة بهم وشارك في جنازة البنا. فماذا جرى للأجيال الجديدة من الأقباط؟ وفي ختام هذه النقطة أشير إلى مجلة الأهرام العربي عدد 793 بتاريخ 24/6/12 وعلى الغلاف بخط كبير جداً:
مات الكلام. وعنوان بخط بارز: الممتنعون. (أي عن التصويت!) هذه اللغة هي التي تخدم شفيق. أرأيت كيف يعملون؟
7- الأيام الحاسمة
وفي الختام أقول: إنني شأني شأن كثيرين في طول العالم العربي وعرضه أهتم بالانتخابات في مصر كما أهتم بها في بلدي لا تنقص ذرة. بل إن نتائجها في مصر ربما تكون أخطر، فهي قائدة قاطرة العرب؛ إن اعتدلت اعتدلت الأمة، وإن انفلتت أو انفتلت انفلتت الأمة وانفتلت.
وعلى الإخوان أن يرصوا صفوفهم، وينسقوا جهودهم مع أبو الفتوح وحمدين وغيرهما. وقد بلغني أن أبا الفتوح يقول فريق كثير من أتباعه إنهم ينوون تبديد أصواتهم بحيث لا ينتفع بها لا هذا ولا هذا، وهذا عين الخذلان لا للإخوان، ولكن للدين ولمصر.
إن أخطاء الإخوان في التجربة السابقة جرت عليهم وعلى مصر كثيراً من السلبيات والنتائج المريرة والسيئة.
ولا تقل لي إنها الحملة الإعلامية، فإني أعي حجمها بالمتابعة الحثيثة، ولكن ما هو أخطر منها الأخطاء وخشية الناس من إعادة إنتاج نظام مبارك الدكتاتوري بلافتات دينية، وهذا خطير جداً.
قلوبنا وعيوننا وعقولنا هذه الأيام معلقة بمصر، والأيام القادمة حاسمة ومصيرية، وعيون العالم كلها ترقب..هل نتجه إلى قضايانا ومصالحنا ونهضة مصر أم نتجه إلى ذات الولاءات المباركية لـ»إسرائيل» والصهيونية وأمريكا؟ والمجلس العسكري حمانا الله من مفاجآته وغدراته، وإن لهؤلاء لمفاجآت، والأيام القادمات حبلى بالمفاجآت! فارتقبوا ما هو آت. ( السبيل )