عام على رحيل أمي والأمان
في مثل هذا اليوم من العام المنصرم إهتز الكون برحيل أمي
وعم البلاء ... بلاء ما مثله بلاء ... إذ رحلت الغالية دون سابق إنذار وعلى حين غرة لأدرك وأتذوق طعم المصيبة إذ أنني لم أكن أعي جيداً قبل موت أمي ما الموت ووالله لم أعي قبل موتك يا أمي قسوة الموت ... ولم يكن موتك جرح بل جروح أو هو أشبه بخروج الروح ... رحلتي ورحل معك الحنان والأمان والود والسكون ... رحلتي وكأنك أخذتي معك الجميع ... رحلتي يا أمي دونما وداع وفي القلب رغبة للعناق...
وقد يشعر القارئ أنه أمام مقال إلا من يعيشون خلف جبل ضباب ( الطيبة ) سيشعرون أنهم أمام مقام لأن أمي هي خضرة عبد دخل الله البطوش ... أم عدنان الرجالية لأنها أخت الرجال ولأنها كانت تقوم بكل الأعمال ... هي من الجيل النظيف إذ أنها علمتنا أن والدنا مقدس لترسم لنا صورة من طاعة الزوج لم نراها عند غيرها صورة لا يصدقها إلا المقربين ... كانت أمي رحمها الله مدرسة في عزة النفس والثبات والأمل بالله ... كانت رحمها الله صديقة لجميع أصدقائي ... وتستمتع بتقديم الماء لطلبة المدارس المارين من أمام بيتنا ... كانت تفرح بالضيف متعالية على كل الجراح ... تجلس على شرفة البيت بهيبة وابتسامة دائمة يدركها الجميع .
كانت رحمها الله تقسم لي كل يوم أن الفرج آتٍ ورحلت قبل أن يأتي الفرج فلربما أن الفرج الذي كانت تؤمن به هو الرحيل ... كانت رحمها الله بشهادة المنصفين وغير المنصفين كانت صابرة متسامحة كاظمة غيظها لم تشكو فقراً ولا حاجة !! لم تأن لكل نائبات الزمان والله لم تأن حتى عند خروج روحها الطاهرة بعد أن أتمت الفروض الخمسة ولتجلس بعد العشاء تسبح ليأتي أمر الله عليها محجبة ذاكرة راضية في بيت أهلها مصدر إعتزازها الدائم .
ولأنني أزعم أنني كنت الأقرب لها من بين الذكور بحكم الجوار وبحكم مشاغباتي ومشاكساتي الكثيرة وبما أن المشاكس يبحث دائماً عن ملاذ فقد كانت هي ملاذي في الدنيا وهي حاجز الصد والمدافع الدائم والوحيد ... لذا لم يسلبني رحيلها الحنان بل أفقدني حتى الإحساس بالأمان ... ليتغير برحيلها طعم كل الأشياء .
وما يجرح الفؤاد ويحز بالنفس ويبقي الجرح نازفاً أنني تسببت لها بعذابات عدة كان آخرها عندما خرجت من شهر الإضراب عن الطعام وجدتها أسواء حالاً مني تلمستها أثناء العناق فوجدتها بقابا أم أنهكها الجوع والصبر ... صبرت على الجوع خوفاً من حصولي على الجنسية الإسرائيلية لأنها أكثر وطنية من الجميع ... أوجع الله قلب ديوانهم الملكي ومخابراتهم الجائرة مثلما أوجعوا قلب أمي الكبير !!! وعهداً بالله يا أمي بالتوبة النصوحة عن إثم الولاء للهاشميين لأن الوجع أكبر من الهاشميين المعاصرين والتابعين لهم أضعاف المرات .
ختاماً أستأمن كل من يقف على هذه الكلمات الدعاء بالمغفرة لأمي والإخلاص بالدعاء إذ أننا كلنا سنحتاج الدعاء بإخلاص ... رحم الله أمواتنا وأموات المسلمين.
والله وحده المستعان والمعين